للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مبتدعة لم يشرعها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا فعلها الصّحابة لا عند قبر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا عند غيره، وهي من جنس الشّرك وأسباب الشّرك. ولو قصد الصّلاة عند قبور الأنبياء والصّالحين من غير أن يقصد دعاءهم والدّعاء عندهم- مثل أن يتّخذ قبورهم مساجد- لكان ذلك محرّما منهيّا عنه، ولكان صاحبه متعرّضا لغضب الله ولعنته، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «اشتدّ غضب الله على قوم اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» «١» ، وقال: «قاتل الله اليهود والنّصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد» يحذّر ما صنعوا. وقال: «إنّ من كان قبلكم كانوا يتّخذون القبور مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد فإنّي أنهاكم عن ذلك» .

فإذا كان هذا محرّما وهو سبب لسخط الرّبّ ولعنته فكيف بمن يقصد دعاء الميّت والدّعاء عنده، وبه، واعتقد أنّ ذلك من أسباب إجابة الدّعوات ونيل الطّلبات وقضاء الحاجات!؟

وهذا كان أوّل أسباب الشّرك في قوم نوح وعبادة الأوثان في النّاس، قال ابن عبّاس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلّهم على الإسلام ثمّ ظهر الشّرك بسبب تعظيم قبور صالحيهم «٢» .

ويقول ابن القيّم عن هذا المظهر من مظاهر الشّرك (أي طلب الحوائج من الموتى والاستغاثة بهم، والتّوجّه إليهم) : وهذا أصل شرك العالم، فإنّ الميّت قد انقطع عمله، وهو لا يملك لنفسه ضرّا ولا نفعا، فضلا عمّن استغاث به، وسأله قضاء حاجته، أو سأله أن يشفع له إلى الله فيها. والميّت محتاج إلى من يدعو له، ويترّحّم عليه، ويستغفر له، كما أوصانا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إذا زرنا قبور المسلمين «أن نترحّم عليهم، ونسأل لهم العافية والمغفرة» فعكس المشركون هذا، وزاروهم زيارة العبادة، واستقضاء الحوائج، والاستغاثة بهم، وجعلوا قبورهم أوثانا تعبد «٣» .

وقال الشّيخ ابن باز: إنّ هذا النّوع من دعاء الأموات كقول القائل: بحقّ الله رجال الله أعينونا بعون الله، وكونوا عوننا بالله، وكقولهم: يا أقطاب، يا أوتاد، يا أسياد، يا ذوي الأمداد فينا واشفعوا لله، هذا عبدكم واقف، وعلى بابكم عاكف.

إنّ هذا ونحوه من الشّرك الأكبر وهو من جنس عمل المشركين الأوّلين مع آلهتهم كالعزّى واللّات وغيرهما، ويلحق ذلك ويتبعه الاستغاثة والاستعانة بمن يعتقد فيهم الولاية من الأحياء فيما لا يقدر عليه إلّا الله عزّ وجلّ كشفاء المرضى وهداية القلوب، ودخول الجنّة والنّجاة من النّار وأشباه ذلك، لأنّ ذلك عبادة لغير الله وطلب لأمور لا يقدر عليها سواه من الأموات والغائبين، وذلك أقبح من شرك الأوّلين، لأنّ الأوّلين إنّما يشركون في حال الرّخاء، وأمّا في حال الشّدائد فيخلصون لله العبادة لأنّهم يعلمون أنّه سبحانه هو القادر على تخليصهم من الشّدّة دون غيره، فإن قال قائل من هؤلاء المشركين المتأخّرين: إنّا


(١) رواه مالك في الموطأ ١/ ١٧٢ عن عطاء بن يسار، وانظر هامش ٢٣ ص ٢٦ من كتاب قاعدة جليلة.
(٢) قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ص ٢٦، ٢٧.
(٣) مدارج السالكين ١/ ٣٧٥.