للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من هذا كلّه أنّ المعنى: لو انكشف من أنوار الله الّتي تحجب العباد عنه شيء لأهلك كلّ من وقع عليه ذلك النّور، كما خرّ موسى على نبيّنا وعليه السّلام صعقا وتقطّع الجبل دكّا لمّا تجلّى الله- سبحانه وتعالى.

[من معاني التسبيح:]

قد يكون التّسبيح بمعنى الصّلاة والذّكر، تقول: قضيت سبحتي؛ وروي أنّ عمر- رضي الله عنه- جلد رجلين سبّحا بعد العصر أي صلّيا. وعليه فسّر قوله: فَسُبْحانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ (الروم/ ١٧) يأمرهم بالصّلاة في هذين الوقتين، وقال الفرّاء: حين تمسون المغرب والعشاء، وحين تصبحون صلاة الفجر، وعشيّا العصر، وحين تظهرون الأولى. وقوله: وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (آل عمران/ ٤١) أي وصلّ، وقوله- عزّ وجلّ-:

فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (الصافات/ ١٤٣) أراد من المصلّين قبل ذلك، وقيل: إنّما ذلك لأنّه قال في بطن الحوت: لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (الأنبياء/ ٨٧) وقوله: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ (الأنبياء/ ٢٠) يقال: إنّ مجرى التّسبيح فيهم كمجرى النّفس منّا لا يشغلنا عن النّفس شيء. وقوله: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ (القلم/ ٢٨) أي تستثنون، وفي الاستثناء تعظيم الله والإقرار بأنّه لا يشاء أحد إلّا أن يشاء الله، فوضع تنزيه الله موضع الاستثناء.

والسّبحة: الدّعاء وصلاة التّطوّع، والنّافلة، يقال: فرغ فلان من سبحته أي من صلاة النّافلة، سمّيت الصّلاة تسبيحا لأنّ التّسبيح تعظيم الله وتنزيهه من كلّ سوء، قال ابن الأثير: وإنّما خصّت النّافلة بالسّبحة وإن شاركتها الفريضة في معنى التّسبيح، لأنّ التّسبيحات في الفرائض نوافل، فقيل لصلاة النّافلة سبحة لأنّها نافلة كالتّسبيحات والأذكار في أنّها غير واجبة، وقد تكرّر ذكر السّبحة في الحديث كثيرا، فمنها: «اجعلوا صلاتكم معهم سبحة» أي نافلة، ومنها: «كنّا إذا نزلنا منزلا لا نسبّح حتّى نحلّ الرّحال» ، أراد صلاة الضّحى، بمعنى أنّهم كانوا مع اهتمامهم بالصّلاة لا يباشرونها حتّى يحطّوا الرّحال ويريحوا الجمال رفقا بها وإحسانا. والسّبحة:

التّطوّع من الذّكر والصّلاة، قال ابن الأثير: وقد يطلق التّسبيح على غيره من أنواع الذّكر مجازا كالتّحميد والتّمجيد وغيرهما، وسبحة الله: جلاله.

وقال ابن عرفة الملقّب بنفطويه في قوله تعالى:

فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ* (الواقعة/ ٧٤، ٩٦) أي سبّحه بأسمائه ونزّهه عن التّسمية بغير ما سمّى به نفسه. قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها (الأعراف/ ١٨٠) وهي صفاته الّتي وصف بها نفسه ... وكلّ من دعا الله بأسمائه فقد أطاعه ومدحه ولحقه ثوابه. وروي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: «ما أحد أغير من الله، ولذلك حرّم الفواحش، وليس أحد أحبّ إليه المدح من الله تعالى» «١» .


(١) لسان العرب (٢/ ٤٧١- ٤٧٤) .