للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[موادعة اليهود:]

وقد كتبت وثيقة هذه الموادعة في المدينة المنورة أول قدوم النبي صلّى الله عليه وسلّم إليها وقبل معركة بدر الكبرى «١» ، وهي تستهدف تنظيم العلاقة بين الأمة الإسلامية وبين يهود المدينة، وهي تتألف من أربعة وعشرين بندا «٢» . ويدل أولها على التزام اليهود بالمساهمة في نفقات الحرب الدفاعية عن المدينة: «وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين» «٣» . وقد ركزت الوثيقة في عشرة بنود من صدرها على تنظيم العلاقة بالمتهودين من قبيلتي الأوس والخزرج، مع التركيز على نسبتهم إلى عشائرهم العربية حيث أقرت تحالفهم مع المؤمنين.

«وأن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم، مواليهم وأنفسهم، إلا من ظلم نفسه وأثم، فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته» «٤» .

وهكذا تعرضت الوثيقة إلى ذكر اليهود من بني النجار، وبني الحارث، وبني ساعدة، وبني جشم، وبني الأوس وبني ثعلبة، وجفنة، وبني الشطيبة، وموالي ثعلبة، فأفردت ليهود كل مجموعة قبلية «٥» بندا خاصّا بهم وأعطت لكل مجموعة منهم «مثل ما ليهود بني عوف» الذين ورد ذكرهم في الفقرة الأولى، والتي كفلت لهم حريتهم الدينية وحددت مسئولية الجرائم وحصرتها في مرتكبيها الذين ينبغي أن ينالوا عقوباتهم وإن كانوا من المتعاهدين.

ولقد منعت الوثيقة يهود المدينة من الخروج منها إلّا بعد الحصول على إذن من الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «وأنه لا يخرج منهم أحد إلّا بإذن محمد» «٦» وذلك حرمهم من القيام بأي نشاط عسكري خارج المدينة قد يؤثر على أمن المدينة وعلاقاتها الاقتصادية.

وفي الوقت الذي أكدت الوثيقة على المسئولية الشخصية للجرائم، فإنها ضمنت «النصر للمظلوم» «٧» .

وأكدت على «أن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وأن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم» «٨» .

غير أن ذلك لا يعني إعفاء اليهود من أعباء المساهمة في نفقات الدفاع عن المدينة. «وأن اليهود ينفقون مع


(١) أبو عبيد القاسم بن سلام- كتاب الأموال رقم «٥١٨» حيث قال: «كتبت حدثان مقدم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المدينة قبل أن يظهر الإسلام ويقوى وقبل أن يؤمر بأخذ الجزية من أهل الكتاب» ، وانظر البلاذري- أنساب ١/ ٢٨٦، ٣٠٨، الطبري- تاريخ ٢/ ٤٠٢، ابن هشام- السيرة ١/ ٥٩٥.
(٢) نشرت الوثيقة بكاملها في مجموعة الوثائق السياسية لمحمد حميد الله الحيدر آبادي مع مقارنة بين سائر الروايات، وأثبت المحقق الاختلافات (٤١- ٤٧) .
(٣) البند (٢٤) من الوثيقة، انظر المصدر السابق.
(٤) البند (٢٥) من الوثيقة. ويوتغ: أي يهلك. انظر «النهاية» لابن الأثير (وتغ) (٥/ ١٤٩) .
(٥) انظر البنود ٢٦- ٣٥ من الوثيقة.
(٦) البند (٣٦) من الوثيقة.
(٧) البند (٣٧ ب) من الوثيقة.
(٨) البند (٣٧ أ) من الوثيقة.