للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[معنى الآل واشتقاقه وأحكامه]

وفيه قولان: أحدهما: أنّ أصله أهل، ثمّ قلبت الهاء همزة، فقيل: أأل. ثمّ سهّلت على قياس أمثالها، فقيل:

آل، قالوا: ولهذا إذا صغّر رجع إلى أصله، فقيل: أهيل، قالوا: ولمّا كان فرعا عن فرع، خصّوه ببعض الأسماء المضاف إليها، فلم يضيفوه إلى أسماء الزّمان، ولا المكان، ولا غير الأعلام، فلا يقولون: آل رجل، وآل امرأة، ولا يضيفونه إلى مضمر، فلا يقال: آله وآلي، بل لا يضاف إلّا إلى معظّم، كما أنّ التّاء لمّا كانت في القسم بدلا عن الواو، وفرعا عليها، والواو فرعا عن فعل القسم، خصّوا التّاء بأشرف الأسماء وأعظمها، وهو اسم الله تعالى «١» .

وقيل: بل أصله أول، وذكره صاحب «الصّحاح» في مادة الهمزة والواو واللّام، قال: وآل الرّجل: أهله وعياله، وآله أيضا: أتباعه، وهو عند هؤلاء مشتقّ من آل يئول: إذا رجع، فآل الرّجل هم الّذين يرجعون إليه، ويضافون إليه، ويئولهم، أي: يسوسهم، فيكون مالهم إليه، ومنه الإيالة وهي السّياسة، فآل الرّجل: هم الّذين يسوسهم ويئولهم، ونفسه أحقّ بذلك من غيره، فهو أحقّ بالدّخول في آله، ولكن لا يقال: إنّه مختصّ بآله، بل هو داخل فيهم، وهذه المادّة موضوعة لأصل الشّيء وحقيقته، ولهذا سمّي حقيقة الشّيء تأويله، لأنّها حقيقته الّتي يرجع إليها. ومنه التّأويل بمعنى التّفسير، لأنّ تفسير الكلام، هو بيان معناه وحقيقته الّتي يراد منه.

قالوا: ومنه الأوّل، لأنّه أصل العدد ومبناه الّذي يتفرّع منه، ومنه الآل بمعنى الشّخص نفسه، قال أصحاب هذا القول: والتزمت العرب إضافته، فلا يستعمل مفردا إلّا في نادر الكلام.

والتزموا أيضا إضافته إلى الظّاهر، فلا يضاف إلى مضمر إلّا قليلا.

قالوا: ومن أحكامه أيضا أنّه لا يضاف إلّا إلى متبوع معظّم فلا يقال آل الحائك وآل الحجّام ولا آل رجل.

وأمّا معناه، فقالت طائفة: يقال: آل الرّجل له نفسه، وآل الرّجل لمن يتبعه، وآله لأهله وأقاربه، فمن الأوّل قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لمّا جاءه أبو أوفى بصدقته: «اللهمّ صلّ على آل أبي أوفى» وقوله تعالى: سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ «٢» .

وقوله صلّى الله عليه وسلّم: «اللهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد، كما صلّيت على آل إبراهيم» فآل إبراهيم هو إبراهيم، لأنّ الصّلاة المطلوبة للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، هي الصّلاة على إبراهيم نفسه، وآله تبع له فيها.

ونازعهم في ذلك آخرون، وقالوا: لا يكون الآل إلّا الأتباع والأقارب، وما ذكرتموه من الأدلّة، فالمراد بها الأقارب، وقوله: «كما صلّيت على آل إبراهيم» آل إبراهيم هنا هم الأنبياء، والمطلوب من الله سبحانه أن يصلّي على


(١) وقد ضعّف المؤلف رحمه الله هذا القول من عدة وجوه فلتراجع.
(٢) سورة الصافات: ١٣٠.