للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غيره لرغبته فيه «١» ، فحاله بالإضافة إلى المرغوب (المعدول) عنه تسمّى زهدا، وبالإضافة إلى المعدول إليه (المرغوب فيه) يسمّى رغبة وحبّا، ومن ثمّ يستدعي حال الزّهد مرغوبا عنه ومرغوبا فيه هو خير من المرغوب عنه، وشرط المرغوب عنه أن يكون هو أيضا مرغوبا فيه بوجه من الوجوه، ومن رغب عمّا ليس مطلوبا في نفسه لا يسمّى زاهدا، وشرط المرغوب فيه أن يكون عنده خيرا من المرغوب عنه ... » «٢» .

[أقسام الزهد وأحكامه:]

قال ابن القيّم- رحمه الله-: الزّهد أقسام:

(١) زهد في الحرام: وهو فرض عين.

(٢) وزهد في الشّبهات: وهو بحسب مراتب الشّبهة، فإن قويت التحق بالواجب، وإن ضعفت كان مستحبّا.

(٣) وزهد في الفضول، وهو زهد فيما يعني من الكلام والنّظر والسّؤال واللّقاء وغيره، وزهد في النّاس، وزهد في النّفس حيث تهون عليه نفسه في الله.

(٤) وزهد جامع لذلك كلّه، وهو الزّهد فيما سوى ما عند الله، وفي كلّ ما يشغلك عن الله، وأفضل الزّهد إخفاء الزّهد، وأصعبه الزّهد في الحظوظ «٣» .

[ما يعين على الزهد:]

والّذي يصحّح هذا الزّهد ثلاثة أشياء:

أحدها: علم العبد أنّ الدّنيا ظلّ زائل، وخيال زائر، فهي كما قال تعالى كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً (الحديد/ ٢٠ مدنية) وسمّاها الله مَتاعُ الْغُرُورِ ونهى عن الاغترار بها، وأخبرنا عن سوء عاقبة المغترّين، وحذّرنا مثل مصارعهم، وذمّ من رضي بها، واطمأنّ إليها.

الثّاني: علمه أنّ وراءها دار أعظم منها قدرا، وأجلّ خطرا، وهي دار البقاء، فالزّهد فيها لكمال الرّغبة فيما هو أعظم منها.

والثّالث: معرفته وإيمانه الحقّ بأنّ زهده فيها لا يمنعه شيئا كتب له منها، وأنّ حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها فمتى تيقّن ذلك ثلج له صدره، وعلم أنّ مضمونه منها سيأتيه.

فهذه الأمور الثّلاثة تسهّل على العبد الزّهد في الدّنيا وتثبّت قدمه في مقامه «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: التواضع- الرضا القناعة- الورع- اليقين- الطاعة- تذكر الموت.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الطمع- طول الأمل- الكبر والعجب- العصيان] .


(١) يقال: رغب عن الشيء كرهه، ورغب فيه: أحبّه
(٢) إحياء علوم الدين (٤/ ٢١٧) .
(٣) الفوائد (١١٨) .
(٤) جامع العلوم والحكم، مختصرا (٢٥٤- ٢٥٥) .