أخرى فما من واحد من الخلق إلّا وقد رزقه الله تعالى في صورته أو أخلاقه أو صفاته أو أهله أو والده أو مسكنه أو بلده أو رفيقه أو زوجه أو ولده أو عزّه أو جاهه أو في سائر أموره، فإنّه لو سلب ذلك منه وأعطي ما خصّص به غيره فإنّه لا يرضى به فإذا كان الأمر كذلك فقد وجب على كلّ الخلق أن يشكروه على أن جعلهم على هذه الحالة الّتي هم عليها ولم يجعلهم على حال الآخرين، ولكن غلب عليهم كفر النّعمة.
وما سدّ على الخلق طريق الشّكر إلّا جهلهم بضروب النّعم الظّاهرة والباطنة والخاصّة والعامّة، أو الغفلة عنها لحصولهم عليها بلا أدنى سبب «١» .
[الجحود بآيات الله:]
لقد نعى القرآن الكريم على المشركين وأهل الكتاب جحودهم بآيات الله رغم معرفتهم بها، وشدّد النّكير عليهم فوسمهم بالظّلم، في قوله سبحانه وَلكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (الأنعام/ ٣٣) ، وقد كان هذا الجحود سببا للعنة قوم عاد وإبعادهم وَتِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْا رُسُلَهُ وَاتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ* وَأُتْبِعُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ (هود/ ٥٩- ٦٠) ، وقد وصف القرآن الكريم من يجحد بآيات الله بالكفر حينا وبالظّلم حينا فقال- عزّ من قائل-:
وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ (العنكبوت/ ٤٧) ، وقال سبحانه وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الظَّالِمُونَ (العنكبوت/ ٤٩) ، وجاء وصفهم بأنّهم أهل الإفك والختر، فقال تعالى: كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ (غافر/ ٦٣) ، وقال سبحانه: وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ (لقمان/ ٣٢) وقد أوضح المولى- عزّ وجلّ- أنّ الجحود من عوامل الاستكبار والغرور فقال سبحانه: فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت/ ١٥) .
إنّ الجاحد بآيات الله لن يغني عنه سمعه ولا بصره، ولا فؤاده، وكأنّه حرم نفسه من نعمة الله الّتي أنعم الله بها عليه، يقول سبحانه: وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ (الأحقاف/ ٢٦) .
والنّتيجة الحتميّة للجحود هي الخلود في النّار وفوق ذلك فإنّهم أعداء لله فاستحقّوا بذلك الوعيد الشّديد ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللَّهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (فصلت/ ٢٨) .
[للاستزادة: انظر صفات: نكران الجميل- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- الضلال- الغرور- الكفر- التفريط والإفراط- عقوق الوالدين- قطيعة الرحم- الجفاء.
وفي ضد ذلك: انظر صفات: الاعتراف بالفضل- الإيمان- الشكر- الثناء- الإحسان- المروءة- بر الوالدين- صلة الرحم] .
(١) انتهى بتصرف من إحياء علوم الدين للغزالي (٤/ ١٢٣- ١٢٦) .