للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن أرسل الرّسل لهداية الخلق ودعاهم لما يحييهم وضمن لهم الفوز في الدّنيا والآخرة، وجعل خاتمهم محمّدا صلّى الله عليه وسلّم، قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (الأنفال/ ٢٤) ، فكان من أعظم النّعم الّتي أنعم الله بها على الإنسان تكريما له نعمة الإسلام ونعمة الإيمان ونعمة الإحسان، وأن هدانا الله إليها، فقال عزّ من قائل: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقى (طه/ ١٢٣) ، وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدانَا اللَّهُ (الأعراف/ ٤٣) . وأرسل لنا خاتم الأنبياء والمرسلين محمّدا صلّى الله عليه وسلّم برسالته العالميّة لتكريم البشر جميعا، فقال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً (الأعراف/ ١٥٨) ، وقال عزّ من قائل: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً (سبأ/ ٢٨) . وقال عزّ وجلّ: قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِينٌ* يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (المائدة/ ١٥- ١٦) ، ومن مظاهر هذا التّكريم حصر مظاهر شرف الإنسان في العبوديّة لله وحده، وتحريره من عبادة الأصنام والأوثان والبشر، وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل/ ٣٦) . ومن ذلك جعل التّقوى هي المعيار الأساسي الّذي يتفاضل به بنو البشر وليس الجنس أو اللّون أو المال ونحو ذلك، يقول الله تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (الحجرات/ ١٣) .

[حب الله للإنسان وذكره في الملأ الأعلى:]

٩- ومن أروع مظاهر تكريم المولى سبحانه للإنسان، أن جعله أهلا لحبّه ورضاه، وأرشده في القرآن الكريم إلى ما يجعله خليقا بهذا الحبّ، وأوّل ذلك اتّباع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيما دعا النّاس إليه كي يحيوا حياة طيّبة في الدّنيا ويظفروا بالنّعيم المقيم في الآخرة، فقال عزّ من قائل قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ، وقد أشار المولى إلى ثمرة هذا الاتّباع وما أحلاها من ثمرة، ألا وهي التّمتّع بخيري الدّنيا والآخرة، مصداق ذلك قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (النحل/ ٩٧) ومن تلك المظاهر الّتي يحيا بها البشر، وينعم بها المجتمع الإنسانيّ، وتجلب رضا الله وحبّه ما نصّت عليه الآيات الكريمة الّتي أعلنت هذا الحبّ الإلهيّ بكلّ وضوح:

(١) للمحسنين، وذلك قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (البقرة/ ١٩٥) . وقد ورد إعلان هذا الحبّ في أربعة مواضع أخرى من الذّكر الحكيم «١» .

(٢) للمتّقين، وذلك قوله عزّ وجلّ: فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (آل عمران/ ٧٦) ، وجاء مثل ذلك في موضعين آخرين من القرآن الكريم «٢» .

(٣) للمقسطين، وذلك في قوله سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (المائدة/ ٤٢) ، وجاء إعلان هذا الحبّ لأهل العدل والإنصاف في موضعين آخرين «٣» .

(٤) للمتطهّرين وذلك كما في قوله سبحانه وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (البقرة/ ٢٢٢) ، وقوله عزّ من


(١) انظر الآيات الواردة في: آل عمران/ ١٣٤، ١٤٨، المائدة/ ١٣، ٩٣.
(٢) انظر الآيات الواردة في: التوبة/ ٤، ٧.
(٣) انظر الآيات الواردة في: الحجرات/ ٩، الممتحنة/ ٨.