للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وطرق الاحتراز منها.

إن أعظم الفكر فكر يوصل إلى معرفة الله عز وجل ويؤدي إلى ذكره وشكره، ولا يكون ذلك إلا بالتأمل في ملكوت السموات والأرض وعجائب صنع الله سبحانه، وقد كان صلّى الله عليه وسلّم مضرب المثل في هذا النوع من التفكر، مصداق ذلك ما روي عن عطاء قال: دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: زر غبا تزدد حبا. قال فقالت: دعونا من رطانتكم هذه. قال ابن عمير:

أخبرينا بأعجب شيء رأيته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: فسكتت ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: «يا عائشة، ذريني أتعبد الليلة لربي» قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي. قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي. قال: يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟

قال: «أفلا أكون عبدا شكورا، لقد نزلت علي الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها «١» . إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ* الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النَّارِ* رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَما لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ «٢» .

ج- التذكر:

إن وقوع الابتلاء هو في الحقيقة نعمة من الله وفضل منه، لأنه يذكر الإنسان ويثبته على صراط ربه المستقيم وَهذا صِراطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ «٣» . وعلى الإنسان أن يتذكر مصيره لو أنه ترك لهواه بدون تذكرة أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ «٤» ، وقال سبحانه: وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ «٥» .

وعند الابتلاء يتذكر الإنسان حاله في الدنيا وحاله في الآخرة، وينظر أيهما أفضل أن يبتلى هنا أم هناك فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى «٦» ، كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى «٧» .

وعند ساعة الاضطرار والابتلاء يعرف العبد أنه لن يكشف السوء إلا الله أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ «٨» . إن المرء إذا أفلح في الوصول بالتذكر


(١) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان (٢/ ٦٢٠) ص ٣٨٧، وقال محققه: إسناده قوي على شرط مسلم. وانظر: تفسير ابن كثير (١/ ٤٣٧) ، وهو عند البخاري- الفتح (٨/ ٤٨٣٧) بلفظ مختصر.
(٢) آل عمران/ ١٩٠- ١٩٢.
(٣) الأنعام/ ١٢٦.
(٤) الجاثية/ ٢٣.
(٥) الزمر/ ٢٧.
(٦) النازعات/ ٣٤- ٣٥.
(٧) الفجر/ ٢١- ٢٣.
(٨) النمل/ ٦٢.