للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(الزمر/ ٥٣) فإذا توقّع المغفرة مع التّوبة فهو راج.

ثانيهما: في حقّ من تغترّ نفسه عن فضائل الأعمال ويقتصر على الفرائض، فيرجّي نفسه نعيم الله تعالى وما وعد به الصّالحين حتّى ينبعث من رجائه نشاط العبادة فيقبل على الفضائل ويتذكّر قوله تعالى قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ.. إلى قوله تعالى: الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ (المؤمنون من ١- ١١) .

المثال الثّالث: غرور طوائف لهم طاعات ومعاص إلّا أنّ معاصيهم أكثر، وهم يتوقّعون المغفرة ويظنّون أنّهم بذلك تترجّح كفّة حسناتهم، مع أنّ ما في كفّة السّيّئات أكثر، وهذا غاية الجهل، فترى الواحد يتصدّق بدراهم من الحلال والحرام، وما يتناوله من أموال المسلمين أضعاف ذلك ويظنّ أنّ إنفاق عشرة في الصّدقة يكفّر عن مائة من مشبوه المال، وذلك غاية في الجهل والاغترار «١» .

أصناف المغترّين:

الصّنف الأوّل: أهل العلم والمغترّون منهم فرق:

ففرقة: أحكموا العلوم الشّرعيّة والعقليّة، وتعمّقوا فيها، واشتغلوا بها، وأهملوا تفقّد الجوارح وحفظها عن المعاصي وإلزامها الطّاعات واغترّوا بعلمهم، وظنّوا أنّهم عند الله بمكان، وأنّهم بلغوا من العلم مبلغا لا يعذّب الله مثلهم، بل يقبل في الخلق شفاعتهم، وأنّه لا يطالبهم بذنوبهم وخطاياهم لكرامتهم على الله وهم مغرورون «٢» .

وفرقة أخرى: أحكموا العلم والعمل، فواظبوا على الطّاعات الظّاهرة وتركوا المعاصي، إلّا أنّهم لم يتفقّدوا قلوبهم ليمحوا الصّفات المذمومة عند الله من الكبر والحسد والرّياء، وطلب الرّئاسة والعلاء وإرادة السّوء للأقران.. ومثال هؤلاء كرجل قصد الملك ضيافته إلى داره فجصّص باب داره، وترك المزابل في صدرها، ولا يخفى أنّ ذلك غرور.

وفرقة أخرى: علموا أنّ هذه الأخلاق الباطنة مذمومة من جهة الشّرع إلّا أنّهم لعجبهم بأنفسهم يظنّون أنّهم منفكّون عنها، وأنّهم أرفع عند الله من أن يبتليهم «٣» .

الصّنف الثّاني: أرباب العبادة والعمل، والمغرور منهم فرق كثيرة، فمنهم من غروره في الصّلاة ومنهم من غروره في تلاوة القرآن ومنهم في الحجّ، ومنهم في الغزو، ومنهم في الزّهد، وكذلك كلّ مشغول بمنهج من مناهج العمل، فليس خاليا عن غرور إلّا الأكياس وقليل ما هم «٤» .


(١) إحياء علوم الدين ج ٣ ص ٤٠٠- ٤٠٨ (بتصرف) .
(٢) الإحياء ٣/ ٤٠٩، ٤١٠.
(٣) الإحياء ٣/ ٤١٢، وقد اكتفينا بذكر هذه الفرق الثلاث خوف الإطالة، وقد ذكر- رحمه الله- فرقا أخرى يرجع إليها من شاء في الموضع المذكور.
(٤) الإحياء ٣/ ٤٢٢.