للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المجال الخامس: الجهاد في سبيل الله: لا يحتاج مجال لعلوّ الهمّة ما يحتاجه الجهاد في سبيل الله وذلك لأنّه يتطلّب رجالا وصفهم الله عزّ وجلّ بقوله:

صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَما بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (الأحزاب/ ٢٣) .

وقد ضرب المصطفى صلّى الله عليه وسلّم المثل الأعلى في هذا المجال فلم يكن أحد أقرب إلى العدوّ (أي أنّه كان يقاتل في الصّفوف الأماميّة) منه، وكان الصّحابة رضوان الله عليهم مضرب المثل في الشّجاعة اقتداء به صلّى الله عليه وسلّم، وها هو أبو محجن الثّقفيّ يقاتل الفرس يوم القادسيّة حتّى ظنّ بعضهم أنّه ملك «١» . إنّه ما أحوجنا في هذه الأيّام إلى إحياء هذه الرّوح الوثّابة والهمّة العالية في الجهاد ضدّ أعداء الله وأعدائنا في فلسطين، والشّيشان، والبوسنة وغير ذلك من بلاد المسلمين الّتي يدنّسها الأعداء.

القيامة التربوية ل «علوّ الهمّة» :

إنّ تربية أطفالنا تحتاج كي تؤتي ثمارها في المستقبل رجالا أشدّاء، وجيلا معافى في بدنه وعقله، وحرّاسا للعقيدة والوطن أن نغرس في هؤلاء الأطفال منذ نعومة أظفارهم هذا الخلق الرّفيع «علوّ الهمّة» .

وتعدّ الأسرة- وبخاصّة الوالدين أو من يقوم مقامهما- أهمّ عناصر البيئة تأثيرا في إظهار النّبوغ وزراعة الهمّة العالية في قلوب الأطفال، وهذا ما يفسّر لنا سرّ اتّصال سلسلة النّابغين من أبناء أسر معيّنة- كال تيميّة مثلا- حيث تجتمع الاستعدادات الفطريّة، والقدرات الإبداعيّة مع البيئة المساعدة الّتي تكشف هذه المواهب مبكّرا وتنمّيها وتوجّهها إلى الطّريق الأمثال «٢» ، وها هو الزّبير بن العوّام- رضي الله عنه- الّذي عدل به عمر ألفا من الرّجال، يشبّ في كنف أمّه صفيّة بنت عبد المطّلب عمّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأخت أسد الله حمزة، وهؤلاء الكملة العظام، عبد الله والمنذر وعروة أبناء الزّبير- رضي الله عنهم جميعا- كلّهم ثمرات أمّهم ذات النّطاقين أسماء بنت أبي بكر- رضي الله عنهما- «٣» ، لقد كان لما غرسته هاتان المرأتان أكبر الأثر في علوّ همّة أبنائهما، وقد حفظ التّاريخ قول السّيّدة فاطمة بنت أسد لابنها عقيل بن أبي طالب:

أنت تكون ماجد نبيل ... إذا تهبّ شمأل بليل «٤» .

فنشأ- رضي الله عنه- عالي الهمّة قويّ الشّكيمة لا يخشى في الحقّ لومة لائم، وقد كان


(١) انظر الأثر رقم (١) في هذه الصفة.
(٢) علو الهمة (٣٨٢) .
(٣) المرجع السابق (٣٨٣) .
(٤) هذا البيت مشهور في كتب «شواهد العربية» والنحو، انظره في شرح ابن عقيل على الألفية (١/ ٢٩٢) .