للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[من الآثار وأقوال العلماء الواردة في (المسئولية)]

١-* (دخل أعرابيّ على سليمان بن عبد الملك، فقال: تكلّم يا أعرابيّ. فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي مكلّمك بكلام فاحتمله وإن كرهته، فإنّ وراءه ما تحبّ إن قبلته. فقال: «يا أعرابيّ، إنّا نجود بسعة الاحتمال على من لا نرجو نصحه ولا نأمن غشّه فكيف بمن نأمن غشّه ونرجو نصحه؟ فقال الأعرابيّ:

يا أمير المؤمنين، إنّه قد تكنّفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم، ابتاعوا دنياهم بدينهم، ورضاك بسخط ربّهم، خافوك في الله تعالى، ولم يخافوا الله فيك، فلا تأمنهم على من ائتمنك الله عليه، فإنّهم لم يألوا في الأمانة تضييعا، وفي الأمّة خسفا وعسفا، وأنت مسئول عمّا اجترحوا، وليسوا بمسئولين عمّا اجترحت، فلا تصلح دنياهم بفساد آخرتك، فإنّ أعظم النّاس غبنا من باع آخرته بدنيا غيره» ) * «١» .

٢-* (عن ابن عمر- رضي الله عنهما- قال:

«دخلت على حفصة فقالت: أعلمت أنّ أباك غير مستخلف؟ قال قلت: ما كان ليفعل. قالت: إنّه فاعل. قال: فحلفت أنّي أكلّمه في ذلك. فسكتّ.

حتّى غدوت. ولم أكلّمه. قال: فكنت كأنّما أحمل بيميني جبلا حتّى رجعت فدخلت عليه. فسألني عن حال النّاس. وأنا أخبره. قال: ثمّ قلت له: إنّي سمعت النّاس يقولون مقالة. فآليت أن أقولها لك.

زعموا أنّك غير مستخلف. وإنّه لو كان لك راعي إبل أو راعي غنم ثمّ جاءك وتركها رأيت أن قد ضيّع.

فرعاية النّاس أشدّ. قال: فوافقه قولي. فوضع رأسه ساعة ثمّ رفعه إليّ. فقال: إنّ الله- عزّ وجلّ- يحفظ دينه. وإنّي لئن لا أستخلف فإنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم يستخلف. وإن أستخلف فإنّ أبا بكر قد استخلف.

قال: فو الله! ما هو إلّا أن ذكر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأبا بكر.

فعلمت أنّه لم يكن ليعدل برسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحدا. وأنّه غير مستخلف» ) * «٢» .

٣-* (قال د. حسن عليّ الحجّاجيّ: يرى ابن القيّم أنّ مسئوليّة التّربية تقع على الآباء والمربّين لا سيّما إذا كان النّاشىء في أوّل مراحل نموّه، فإنّه في أمسّ الحاجة إلى تقويم أخلاقه

وتوجيه سلوكه، وهو بمفرده لا يستطيع القيام بذلك، فالمسئوليّة على وليّ أمره، يقول- رحمه الله-: ( ... وممّا يحتاج إليه الطّفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خلقه، فإنّه ينشأ على ما عوّده المربّي في صغره من حرد وغضب، ولجاج، وعجلة، وخفّة مع هواه وطيش، وحدّة، وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك. وتصير هذه الأخلاق صفات وهيئات راسخة، فلو تحرّز منها غاية التّحرّز فضحته ولا بدّ يوما ما، ولهذا تجد أكثر النّاس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التّربية الّتي نشأ


(١) كلمات في الأخلاق الإسلامية (١٢٩) .
(٢) البخاري- الفتح ١٣ (٧٢١٨) . ومسلم (١٨٢٣) واللفظ له.