للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والعلم أرفع مقام تطمح إليه الهمم، وأشرف غاية تتسابق إليها الأمم، فلا يخلص إليه الطّالب دون أن يقاسي شدائد، ويحتمل متاعب، ولا يستهين بالشّدائد إلّا كبير الهمّة ماضي العزيمة. كان سعيد بن المسيّب يسير اللّيالي في طلب الحديث الواحد، ورحل أبو أيّوب الأنصاريّ من المدينة إلى عقبة بن عامر وهو في مصر ليروي عنه حديثا، فقدم مصر ونزل عن راحلته ولم يحلّ رحلها، فسمع منه الحديث وركب راحلته وقفل إلى المدينة راجعا، ولم ينتشر العلم في بلاد المغرب أو الأندلس إلّا برجال رحلوا إلى الشّرق ولاقوا في رحلاتهم عناء ونصبا، مثل أسد بن الفرات وأبي الوليد الباجيّ وأبي بكر بن العربيّ.

وخلاصة المقال: تذكير النّبهاء من نشئنا بأن يقبلوا على العلم بهمم كبيرة صيانة للوقت من أن ينفق في غير فائدة، وعزم يبلى الجديدان وهو صارم صقيل، وحرص لا يشفي غليله إلّا أن يغترف من موارد العلوم بأكواب طافحة، وغوص في البحث لا تحول بينه وبين نفائس العلوم وعورة المسلك ولا طول مسافة الطّريق، وألسنة مهذّبة لا تقع في لغو أو مهاترة «١» » «٢» .

الفرق بين الطّموح وعلو الهمة:

إذا كان كلّ من الطّموح وعلوّ الهمّة يشتركان في الهدف والغاية، أي تطلّب المعالي، فإنّهما قد يختلفان في الوسيلة والباعث، إذ الباعث في علوّ الهمّة قد يكون الأنفة من خمول الضّعة أو الاستنكار لمهانة النّقص، أمّا الباعث على الطّموح فهو نزوع النّفس دائما نحو الأعلى والأرقى، ومن حيث الوسيلة نجد أنّ الطّموح قد يجنح بصاحبه إلى الغلوّ والإسراف على النّفس أو الغير، أمّا علوّ الهمّة فلا يسلك صاحبها إلّا الدّروب الشّريفة الّتي تتّفق مع مباديّ الشّرع الحنيف.

[للاستزادة: انظر صفات: علو الهمة- الشجاعة- الشرف- النبل- القوة والشدة- الرجولة- العزم والعزيمة- قوة الإرادة.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: صغر الهمة- التهاون- الجبن- الوهن- الذل- الضعف- الكسل- التفريط والإفراط.


(١) مهاترة: الكلام الساقط.
(٢) رسائل الإصلاح للخضر حسين (ص ٥٣) .