للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[غزوة فتح مكة:]

التزمت قريش بشروط صلح الحديبية حوالي السنة ونصف السنة، ثم وقعت في خطأ كبير حين أعانت حلفاءها بني بكر على خزاعة حلفاء الرسول صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين، حين وثبوا عليهم ليلا على ماء بأرض خزاعة يعرف بالوتير. وقد أعانت قريش بكرا بالخيل والسلاح والرجال «١» ؛ وقالوا: «ما يعلم بنا محمد، وهذا الليل وما يرانا أحد» ، فعلوا ذلك للضغن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «٢» . وقد استنجدت خزاعة بالمسلمين، وقدم عمرو بن سالم الخزاعي إلى المدينة يستنصر الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأنشد في ذلك أبياتا من الشعر أمامه، فقال له النبي صلّى الله عليه وسلّم. «نصرت يا عمرو بن سالم» ، ثم مرت بهم سحابة، فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ هذه السّحابة لتستهلّ بنصر بني كعب» «٣» . وليس هناك من شك في أن انتصار قريش لحلفائها ودعمها لهم على حلفاء المسلمين، هو نقض صريح لبنود صلح الحديبية أدركت قريش أخطاره، وندمت على فعلها له، ولذلك فإنها بادرت إلى إرسال أبي سفيان إلى المدينة بهدف تجديد المعاهدة، وتشير بعض الروايات إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم أرسل إلى قريش «٤» يخيّرهم بين دفع دية قتلى خزاعة، أو البراءة من حلف بني بكر، أو القتال، فاختارت الحرب، ثم ندمت فبادرت إلى إرسال أبي سفيان كما أسلفنا، لكنه عاد خائبا «٥» ، فقد فشل في الحصول على أي وعد بتجديد المعاهدة التي تضمنت بنود صلح الحديبية «٦» .

أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بالتجهز والاستعداد للغزو غير أنه لم يسمّ وجهته، وحرص على ضمان السرية التامة


(١) أوضح موسى بن عقبة أ: ن من بين أشراف قريش الذين أعانوا بكرا على خزاعة: صفوان بن أمية، وشيبة بن عثمان، وسهيل بن عمرو، وأن الإعانة كانت بالسلاح والرقيق. ابن كثير- البداية والنهاية ٤/ ٣١٣، من رواية موسى دون إسناد، وانظر ابن حجر- فتح الباري ٨/ ٦.
(٢) ألجأت بكر خزاعة أثناء الحرب إلى منطقة الحرم وواصلت حربهم فيه كما ذكر ابن إسحاق (ابن هشام- السيرة ٢/ ٣٨٩) بدون إسناد، وبلغ عدد قتلى خزاعة عشرين قتيلا، الواقدي مغازي ٢/ ٧٨٤ بإسناد ضعيف.
(٣) رواه ابن إسحاق بإسناد حسن لذاته وصرح بالتحديث، ورجاله رجال الصحيح، ما عدا ابن إسحاق انظر: ابن كثير- البداية ٤/ ٢٧٨- ٣٠٩- ٣١٠، وله شاهدان ضعيفان أولهما في المعجم الصغير للطبراني ٢/ ٧٣، وثانيهما أورده أبو يعلى في مسنده ٤/ ٤٠٠، وقد روى البزار- كشف الأستار ص/ ٣٤٢ القصيدة التي أنشدها عمرو بن سالم الخزاعي أمام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين قدم مستنجدا مطالبا بتنفيذ بنود الحلف. ورواه ابن أبي شيبة مرسلا، الصنعاني- المصنف ٥/ ٣٧٤ مختصرا بإسناد صحيح وفيه اختلاف يسير في ألفاظه مع إسقاطه للشعر، وانظر الهيثمي- مجمع الزوائد ٦/ ١٦٢.
(٤) ابن حجر- المطالب العالية ٤/ ٢٣٤، بإسناد صحيح، فتح الباري ٨/ ٦ (حديث ٤٢٨٠) ، ابن كثير- البداية والنهاية ٤/ ٢٨١، الواقدي- المغازي ٢/ ٧٨٦- ٧ وعنده أن اسم مبعوث النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى قريش هو حمزة.
(٥) ابن حجر- فتح الباري ٨/ ٦ عن مرسل عكرمة عن ابن أبي شيبة، وابن إسحق معلقا، ابن كثير- البداية والنهاية ٤/ ٣١٢.
(٦) فقد ردّه أبو بكر وعمر وعلي وفاطمة، وأغلظ عليه عمر في الرد، وأبت ابنته أم المؤمنين أم حبيبة أن تسمح له بالجلوس على فراش رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقالت له: «إنك رجل مشرك نجس» ، وحين كلم النبي صلّى الله عليه وسلّم فإنه لم يجبه بشيء. ابن كثير- البداية ٤/ ٣١٣- ١٤، البيهقي- دلائل النبوة ٥/ ٩/ ١١، السنن الكبرى ٩/ ١٢٠، الصنعاني- المصنف ٥/ ٣٧٥. بإسناد صحيح، وهو جزء من رواية ابن إسحاق الطويلة في فتح مكة، ابن هشام- السيرة ٢/ ٣٨٩، بدون إسناد.