للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

في هذا المجال، وسأل ربه قائلا: «اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتّى نبغتها في بلادها» «١» .

بدأت الاستعدادات لحشد القوة الإسلامية القصوى المستطاعة، وكان لا بد من أن يعلم النبي صلّى الله عليه وسلّم أصحابه بأنه سائر إلى مكة، ثم استنفر القبائل التي تقطن قرب المدينة: سليما وأشجع ومزينة وأسلم وغفارا، فمنهم من التحق بالجيش الإسلامي في المدينة، ومنهم من التحق بالمسلمين في الطريق إلى مكة «٢» ، وقد ارتفعت معنويات المسلمين كثيرا، وكان حسان بن ثابت يلقي شعره الذي يذكر فيه بمصاب خزاعة، ونقض المشركين للعهد، ويحرض المسلمين على القتال «٣» ، وبلغ عدد جيش المسلمين عشرة آلاف مقاتل «٤» ، وأوعب مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم المهاجرون والأنصار فلم يتخلف عنه منهم أحد» «٥» ، وهذا يدل على مدى تعاظم قوات المسلمين خلال فترة السنة ونصف التي أعقبت صلح الحديبية «٦» ، ورغم ذلك فقد التزم الجميع بالسرية التامة وحجبت الأخبار تماما عن قريش «٧» مما يعكس مدى الضبط والربط والالتزام الدقيق بأوامر القيادة، والتقويم السليم للمصلحة الإسلامية العليا. وكان الاستثناء الوحيد في هذا المجال المحاولة الفاشلة التي أقدم عليها الصحابي البدري حاطب ابن أبي بلتعة حين أرسل مع امرأة كتابا إلى قريش يخبرهم فيه بأمر الغزوة»

. وهنا تظهر إحدى معجزات النبي صلّى الله عليه وسلّم فقد أمر ثلاثة من الصحابة «٩» بأن يقتفوا أثر المرأة وقال لهم: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخ، فإنّ بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها» «١٠» ، وقد نفذ الصحابة أمر النبي صلّى الله عليه وسلّم فأمسكوا بالمرأة في الموضع المحدد وطالبوها بالكتاب فأنكرت أمره في باديء الأمر، ولكنهم هددوها بالقيام بتفتيشها، فسلمته لهم، وحينما رجعوا بالكتاب والمرأة أرسل النبي صلّى الله عليه وسلّم في طلب حاطب وسأله عن أمر الكتاب فلم ينكر وقال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: «يا رسول


(١) ابن كثير- البداية ٤/ ٢٨٣ بإسناد صحيح عن طريق محمد بن جعفر عن عروة عن عائشة- رضي الله عنها-، وأورده ابن هشام- السيرة ٢/ ٣٨٩ بإسناد حسن من حديث الزهري عن عروة عن المسور.
(٢) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣٩٧ بدون إسناد، وابن إسحاق (ابن هشام- السيرة ٢/ ٣٩٩) بإسناد حسن لذاته، الواقدي- مغازي ٢/ ٨٠١.
(٣) ابن كثير- البداية ٤/ ٢٨٣، ابن هشام- السيرة ٢/ ٣٨٩.
(٤) ابن سعد- الطبقات ٢/ ٣٩٧ بدون إسناد، ومن رواية البخاري- الصحيح (الفتح حديث ٤٢٧٦) ، الواقدي- المغازي ٢/ ٨٠١.
(٥) ابن إسحاق، أورده ابن هشام- السيرة ٢/ ٣٩٩ بإسناد حسن لذاته.
(٦) انظر تعليق ابن هشام على تقويم الزهري لأهمية صلح الحديبية ابن هشام- السيرة ٣/ ٣٢٢، والعمري- السيرة النبوية الصحيحة ٢/ ٤٧٤.
(٧) ابن حجر- المطالب العالية ٤/ ٢٤٤.
(٨) البخاري- الصحيح (فتح الباري- حديث ٤٢٧٤) ، مسلم- الصحيح ٤/ ١٩٤١- ٢ (حديث ٢٤٩٤) ، الواقدي- المغازي ٢/ ٧٩٨- ٩.
(٩) وهم: علي والزبير والمقداد- رضي الله عنهم-.
(١٠) البخاري- الصحيح ٤/ ٧٢، ٥٧٩- ٥٩٩، مسلم- الصحيح ٢/ ١٧٠.