للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصّنف الثّالث: وهم المتصوّفة، وما أغلب الغرور عليهم والمغترّون منهم فرق كثيرة فمنهم من اغترّ بالزّيّ والهيئة والمنطق، ومنهم من رفضوا الأحكام وسوّوا بين الحلال والحرام وغير ذلك «١» .

الصّنف الرّابع: أرباب الأموال، والمغترّون منهم فرق كثيرة، ومجمل القول فيهم أنّ الرّياء قائدهم في كثير من أعمالهم وأنّ الشّيطان يزيّن لهم أعمالهم فيغترّون بها «٢» .

الفرق بين الثّقة بالله والغرور والعجز:

قال ابن القيّم: الفرق بينها: أنّ الواثق بالله قد فعل ما أمره الله به، ووثق بالله في طلوع ثمرته وتنميتها وتزكيتها كغارس الشّجرة وباذر الأرض، والمغترّ العاجز قد فرّط فيما أمر به، وزعم أنّه واثق بالله، والثّقة إنّما تصحّ بعد بذل المجهود «٣» .

وقال رحمه الله: إنّ الثّقة سكون يستند إلى أدّلة وأمارات يسكن القلب إليها فكلّما قويت تلك الأمارات قويت الثّقة واستحكمت ولا سيّما على كثرة التّجارب وصدق الفراسة.

وأمّا الغرّة فهي حال المغترّ الّذي غرّته نفسه وشيطانه وهواه وأمله الخائب الكاذب بربّه حتّى أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني، والغرور ثقتك بمن لا يوثق به وسكونك إلى من لا يسكن إليه ورجاؤك النّفع من المحلّ الّذي لا يأتي بخير كحال المغترّ بالسراب.

ومن أعظم الغرّة أن ترى المولى عزّ وجلّ يتابع عليك نعمه وأنت مقيم على ما يكره، فالشّيطان وكلّ بالغرور، وطبع النّفس الأمّارة الاغترار، فإذا اجتمع الرّأي والبغي والشّيطان الغرور والنّفس المغترّة لم يقع هناك خلاف (في حدوث الغرّة) فالشّياطين غرّوا المغترّين بالله وأطمعوهم- مع إقامتهم على ما يسخط الله ويبغضه- في عفوه وتجاوزه وحدّثوهم بالتّوبة لتسكن قلوبهم ثمّ دافعوهم بالتّسويف حتّى هجم الأجل فأخذوا على أسوء أحوالهم وقال تعالى في هؤلاء: وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ (الحديد/ ١٤) . وأعظم النّاس غرورا بربّه من إذآ مسّه الله برحمة منه وفضل، قال: هذا لِي (فصلت/ ٥٠) أي أنا أهله وجدير به ومستحق له ثمّ قال وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً (فصلت/ ٥٠) فظنّ أنّه أهل لما أولاه من النّعم مع كفره بالله، ثمّ زاد في غروره فقال وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى (فصلت/ ٥٠) يعني الجنّة والكرامة وهكذا تكون الغرّة بالله، فالمغترّ بالشّيطان مغترّ بوعوده وأمانيه وقد ساعده اغتراره بدنياه ونفسه فلا يزال كذلك حتّى يتردّى في آبار الهلاك «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: الكبر والعجب- العتو- الطغيان- التكاثر- اتباع الهوى- الطيش.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: التواضع- الإنابة- الإخبات- الخشية- الخوف- التقوى] .


(١) الإحياء ٣/ ٤٢٦، ٤٢٧ بتصرف واختصار.
(٢) الإحياء ٣/ ٤٢٩- ٤٣٥ بتصرف واختصار.
(٣) مدارج السالكين ٢/ ١٢٩.
(٤) الروح لابن القيم، ص ٢٢٠- ٢٢١ (بتصرف واختصار) .