للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويتقنها، فهو فعيل بمعني مفعل، وقيل: الحكيم ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصّناعات ويتقنها: حكيم، والحكيم يجوز أن يكون بمعنى الحاكم مثل قدير بمعنى قادر، وعليم بمعنى عالم «١» .

وقال الزّجّاج: فالله تعالى، هو الحاكم، وهو الحكم بين الخلق؛ لأنّه الحكم في الآخرة ولا حكم غيره. والحكّام في الدّنيا إنّما يستفيدون الحكم من قبله تعالى علوّا كبيرا «٢» .

[الحكم بما أنزل الله اصطلاحا:]

الحكم: هو سياسة النّاس والقضاء بينهم وتدبير أمورهم طبقا للأحكام الشّرعيّة.

والحكم بما أنزل الله هو العمل بالحكم الشّرعيّ، الّذي عرّفه الجرجانيّ بقوله: هو عبارة عن حكم الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين.

وقال المناويّ: الحكم عند الأصوليّين خطاب الله تعالى المتعلّق بفعل المكلّف من حيث كونه كذلك.

وقال الكفويّ: الحكم (في الشّرع) هو خطاب الله تعالى المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التّخيير، وهو مدلول الأمر والنّهي والإيجاب والتّحريم ويسمّى هذا بالاختصاصات الشّرعيّة، وأثر الخطاب المترتّب على الأفعال الشّرعيّة يسمّى بالتّصرّفات المشروعة، وهو نوعان:

الأوّل: دنيويّ كالصّحّة في الصّلاة، والملك في البيع.

والآخر: أخرويّ كالثّواب والعقاب، وجميع المسبّبات الشّرعيّة عن الأسباب الشّرعيّة، كلّ ذلك محكوم لله تعالى ثبت بحكمه وإيجاده وتكوينه.

والحكم الشّرعيّ ما لا يدرك لولا خطاب الشّارع، سواء ورد الخطاب في عين هذا الحكم، أو في صورة يحتاج إليها هذا الحكم كالمسائل القياسيّة، إذ لولا خطاب الشّارع في المقيس عليه لا يدرك الحكم في المقيس «٣» .

[شمولية الحكم بما أنزل الله:]

إنّ الحكم بما أنزل الله يتضمّن إعمال شريعة الإسلام في كلّ ما يتعلّق بأمور العباد والبلاد في المعاملات، والجنايات والعلاقات الدّوليّة والتّجاريّة، وما أشبه ذلك ممّا يعرف بالقوانين الحاكمة، كلّ ذلك ينبغي أن يكون بما أنزله الله في كتابه، أو جاءت به السّنّة الّتي تبيّن للنّاس ما نزّل إليهم مصداقا لقوله تعالى وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ (النحل/ ٤٤) ، وقوله عزّ من قائل: وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل/ ٨٩) .

ويقتضي ذلك أن تكون الأحكام الّتي وردت بها السّنّة الشّريفة ممّا أنزل الله؛ لأنّها بيان لما أنزله- عزّ


(١) لسان العرب (١٢/ ١٤٠- ١٤١) .
(٢) تفسير أسماء الله الحسنى لأبى إسحق الزجاج، (٤٤) . ومعنى من قبله تعالى: أي من قبل اتباع أحكامه وشرعه الذي أنزله على الرسل في الكتب السماوية الصحيحة.
(٣) باختصار وتصرف يسير عن المراجع الآتية: التعريفات للجرجاني (٩٧) ، والتوقيف على مهمات التعريف للمناوي (١٤٥) ، والكليات للكفوي (٣٨١) .