للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجلّ- يقول الإمام الشّافعيّ: ومن البيان (المشار إليه في الآية الكريمة) ما سنّه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ممّا ليس فيه نصّ حكم إذ قد فرض الله في كتابه طاعة نبيّه صلّى الله عليه وسلّم والانتهاء إلى حكمه، فمن قبل عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبفرض الله قبل «١» .

ويتضمّن الحكم بما أنزل الله أيضا الحكم بما أجمعت عليه الأمّة أو قيس على حكم جاء به الكتاب أو أوردته السّنّة. يقول صاحب المقاصد العامّة للشّريعة الإسلاميّة: عرّف الأصوليّون الحكم الشّرعيّ بأنّه خطاب الله المتعلّق بأفعال المكلّفين بالاقتضاء أو التّخيير أو الوضع «٢» .

أمّا الاقتضاء؛ فإنّه يتناول اقتضاء الوجود واقتضاء العدم، إمّا مع الجزم، أو مع جواز التّرك، فيتناول الواجب والمحظور، والمندوب، والمكروه.

وأمّا التّخيير فهو الإباحة «٣» .

وأمّا الوضع فهو جعل اللّفظ دليلا على المعنى، والمراد به هنا: جعل الله الشّيء سببا أو شرطا أو مانعا صحيحا أو فاسدا.

والحكم الشّرعيّ نوعان: تكليفيّ ووضعيّ، ولكلّ منهما أقسام، أمّا أقسام التّكليفيّ فخمسة:

الإيجاب والنّدب، والتّحريم والكراهة والإباحة، وأقسام الحكم الشّرعيّ الوضعيّ المتعلّق بأفعال المكلّفين قد يكون طلبا أو تخييرا، وقد يكون جعلا للشّيء سببا أو شرطا أو مانعا وهو خطاب الوضع وقد اختلف العلماء في هذه الآية الكريمة وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ (المائدة/ ٤٤) : هل هي في المسلمين أو في الكفّار؟ فروي عن الشّعبيّ أنّها في المسلمين، وروي عنه أنّها في اليهود، وروي عن طاوس أيضا أنّها في المسلمين، وأنّ المراد بالكفر فيها كفر دون كفر، وأنّه ليس الكفر المخرج من الملّة، وروي عن ابن عبّاس في هذه الآية أنّه قال: ليس الكفر الّذي تذهبون إليه، رواه عنه ابن أبي حاتم والحاكم، وقال: صحيح على شرط الشّيخين ولم يخرجاه، قاله ابن كثير.

قال بعض العلماء: والقرآن العظيم يدلّ على أنّها في اليهود؛ لأنّه تعالى ذكر فيما قبلها أنّهم يحرّفون الكلم من بعد مواضعه، وأنّهم يقولون (إن أوتيتم هذا) يعني الحكم المحرّف الّذي هو غير حكم الله فخذوه، وإن لم تؤتوه: أي المحرّف؛ بل أوتيتم حكم الله الحقّ «فاحذروا» ، فهم يأمرون بالحذر من حكم الله الّذي يعلمون أنّه حقّ.

وقد قال الله تعالى بعدها: وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ (المائدة/ ٤٥) الآية، فدلّ على أنّ الكلام فيهم، وممّن قال بأنّ الآية في أهل الكتاب ما ذكره البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عبّاس وأبو مجلز وأبو رجاء العطارديّ وعكرمة، وعبيد الله بن


(١) الرسالة (٢٢) .
(٢) المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف حامد العالم (٢٤) .
(٣) المحصول في علم أصول الفقه للرازي (١/ ١٠٧)