للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اختلاط من هذه صفته بالنّاس مضرّة لهم، وبخاصّة الأحداث منهم، لأنّ الحدث (صغير السّنّ) سريع الانطباع، ونفسه مجبولة على الميل إلى الشّهوات، فإذا شاهد غيره مرتكبا لها، مستحسنا للانهماك فيها، مال هو أيضا إلى الاقتداء به «١» .

[الفرق بين الهوى والشهوة:]

يقول الإمام الماورديّ: فرق ما بين الهوى والشّهوة، أنّ الهوى مختصّ بالآراء والاعتقادات، والشّهوة مختصّة بنيل المستلذّات فصارت الشّهوة من نتائج الهوى، والهوى أصل وهو أعمّ «٢» .

وقال الرّاغب في الفرق بين الهوى والشّهوة، أنّ الشّهوة ضربان: محمودة ومذمومة، فالمحمودة من فعل الله تعالى، والمذمومة من فعل البشر، وهي استجابة النّفس لما فيه لذّاتها البدنيّة، والهوى هو هذه الشّهوة الغالبة إذا استتبعتها الفكرة، وذلك أنّ الفكرة بين العقل والشّهوة، فالعقل فوقها، والشّهوة تحتها، فمتى ارتفعت الفكرة ولّدت المحاسن، وإذا سفلت ولّدت القبائح «٣» .

[الفرق بين ما يسومه العقل وما يسومه الهوى:]

يوضّح الرّاغب ذلك فيما يلي:

١- من شأن العقل أن يرى ويختار أبدا الأصلح في العواقب وإن كان في المبدإ على النّفس مشقّة، والهوى على الضّدّ من ذلك، فإنّه يؤثر ما يدفع به المؤذي في الوقت (العاجل) وإن كان يعقبه مضرّة في الآجل، ولذلك قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم «حفّت الجنّة بالمكاره، وحفّت النّار بالشّهوات» .

٢- الهوى يري الإنسان ماله دون ما عليه، ويعمّي عليه ما يعقبه من المكروه، أمّا العقل فإنّه يري الإنسان ما له وما عليه، وما يريه العقل يتقوّى إذا فزع فيه المرء إلى الله- عزّ وجلّ- بالإستخارة.

٣- العقل يري ما يري بحجّة وعذر، والهوى يري ما يري بشهوة وميل «٤» .

[الهوى يعمي ويصم:]

قال ابن تيميّة- رحمه الله تعالى-: صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في الأمر ولا يطلبه أصلا، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصّل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصّل ما يغضب له بهواه، فليس قصده أن يكون الدّين كلّه لله، وأن تكون كلمة الله هي العلياء، بل قصده الحميّة لنفسه وطائفته أو الرّياء، ليعظّم هو ويثنى عليه، أو لغرض من الدّنيا فلم يكن لله غضبه، ولم يكن مجاهدا في سبيل الله، بل إنّ أصحاب الهوى يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا لا يغضب الله عليه، ويرضون عمّن يوافقهم، وإن كان جاهلا سيّء القصد، ليس له علم ولا حسن قصد، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله، ويذمّوا من لم


(١) باختصار وتصرف يسير عن تهذيب الأخلاق (١٥- ١٦) .
(٢) أدب الدنيا والدين (ص ٣٨) .
(٣) الذريعة إلى مكارم الشريعة (ص ٤٦) باختصار وتصرف.
(٤) المرجع السابق (٤٣- ٤٥) باختصار وتصرف.