الرّحم- أيضا- قال الله تعالى:
لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ (الممتحنة/ ٨ مدنية) . أي تصلوا أرحامكم.
[من صور بر الوالدين:]
أورد القرطبي- رحمه الله- في تفسيره كلاما كثيرا مفاده:
١- أنّ الله أمر بعبادته وتوحيده، وجعل برّ الوالدين مقرونا بذلك، كما قرن شكرهما بشكره، فقال: وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (الإسراء/ ٢٣) ، وقال: أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (لقمان/ ١٤) .
وقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّ برّ الوالدين أفضل الأعمال بعد الصّلاة الّتي هي أعظم دعائم الإسلام.
٢- من البرّ بهما والإحسان إليهما ألّا يتعرّض لسبّهما ولا يعقّهما.
٣- وعقوق الوالدين مخالفتهما في أغراضهما الجائزة لهما، كما أنّ برّهما موافقتهما على أغراضهما.
وعلى هذا إذا أمرا أو أحدهما ولدهما بأمر وجبت طاعتهما فيه، إذا لم يكن ذلك الأمر معصية، وإن كان ذلك المأمور به من قبيل المندوب.
٤- أنّ برّ الوالدين متساو عند بعض الفقهاء الشّافعيّة، والمالكيّة، وبعض الفقهاء يرجّح الأمّ على الأب، وإلى هذا ذهب اللّيث بن سعد والمحاسبيّ في كتابه (الرّعاية) .
٥- لا يختصّ برّ الوالدين بأن يكونا مسلمين بل إن كانا كافرين يبرّهما ويحسن إليهما إذا كان لهما عهد.
٦- من الإحسان إليهما والبرّ بهما إذا لم يتعيّن الجهاد ألّا يجاهد إلّا بإذنهما.
٧- ومن تمام البرّ صلة أهل ودّ الوالدين، وكان صلّى الله عليه وسلّم يهدي لصدائق خديجة برّا بها، ووفاء لها وهي زوجته- رضي الله عنها- فما ظنّك بالوالدين؟
٨- وخصّ ربّ العزّة حالة الكبر؛ لأنّها الحالة الّتي يحتاجان فيها إلى البرّ لتغيّر الحال عليهما بالضّعف والكبر، فألزم في هذه الحالة مراعاة أحوالهما أكثر ممّا ألزمها من قبل؛ لأنّهما في هذه الحالة قد صارا كلّا عليه، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج إليه في صغره أن يليا منه، فلذلك خصّ هذه الحالة بالذّكر.
٩- ومن برّهما والإحسان إليهما أن لا يقول لهما ما يكون فيه أدنى تبرّم، يقول الحقّ- تبارك وتعالى-: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ (الإسراء/ ٢٣) وقوله: أفّ للأبوين أردأ شيء لأنّه رفضهما رفض كفر النّعمة، وجحد التّربية وردّ الوصيّة الإلهيّة.
١٠- أن يتلطّف معهما بقول ليّن لطيف، كريم، وأن يجعل نفسه مع أبويه في خير ذلّة، في أقواله، وسكناته ونظره، ولا يحدّ إليهما بصره؛ فإنّ تلك نظرة الغاضب. وهذا من برّ الوالدين.
١١- ومن برّهما التّرحّم عليهما والدّعاء لهما، وأن ترحمهما كما رحماك، وترفق بهما كما رفقا بك، إذ