للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال في الذّريعة: النّصح إخلاص المحبّة للغير بإظهار ما فيه صلاحه «١» .

[أول النصح:]

أوّل النّصح أن ينصح الإنسان نفسه، فمن غشّها فقلّما ينصح غيره، وحقّ من استنصح أن يبذل غاية النّصح وإن كان ذلك في شيء يضرّه، ويتحرّى فيه قول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ (النساء/ ١٣٥) ، وقال تعالى: وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى

(الأنعام/ ١٥٢) ، وقال ابن عبّاس- رضي الله عنهما-: لا يزال الرّجل يزداد فى صحّة رأيه ما نصح لمستشيره، فإذا غشّه سلبه الله نصحه ورأيه، ولا يلتفتنّ إلى من قال: إذا نصحت الرّجل فلم يقبل منك فتقرّب إلى الله بغشّه، فذلك قول ألقاه الشّيطان على لسانه، اللهمّ إلّا أن يريد بغشّه السّكوت عنه، فقد قيل: كثرة النّصيحة تورث الظّنّة، ومعرفة النّاصح من الغاشّ صعبة جدّا، فالإنسان- لمكره- يصعب الاطّلاع على سرّه، إذ هو قد يبدي خلاف ما يخفي، وليس كالحيوانات الّتي يمكن الاطّلاع على طبائعها «٢» .

[لمن تكون النصيحة؟ وكيف؟]

النّصيحة- كما جاء في الحديث- تكون لله ولرسوله ولكتابه ولأئمّة المسلمين وعامّتهم «٣» . وقد أوضح العلماء معنى هذه النّصيحة فيما يحكيه ابن حجر قال: النّصيحة لله وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطنا، والرّغبة في محابّه بفعل طاعته، والرّهبة من مساخطه بترك معصيته، والجهاد في ردّ العاصين إليه. والنّصيحة لكتاب الله تعلّمه، وتعليمه، وإقامة حروفه في التّلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهّم معانيه، وحفظ حدوده، والعمل بما فيه، وذبّ تحريف المبطلين عنه، والنّصيحة لرسوله تعظيمه، ونصره حيّا وميّتا، وإحياء سنّته بتعلّمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبّته ومحبّة أتباعه، والنّصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حمّلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسدّ خلّتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، وردّ القلوب النّافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظّلم بالّتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النّصيحة لهم ببثّ علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظّنّ بهم، والنّصيحة لعامّة المسلمين الشّفقة عليهم، والسّعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكفّ وجوه الأذى عنهم، وأن يحبّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه «٤» .

وقال عبد الرّحمن بن ناصر السّعديّ: النّصيحة لله ورسوله تكون بصدق الإيمان، وإخلاص النّيّة في الجهاد والعزم عليه عند القدرة، وفعل المستطاع من الحثّ والتّرغيب والتّشجيع للمسلمين عليه «٥» .

[التواصي لغة:]

التّواصي مصدر قولهم: تواصى فلان وفلان


(١) الذريعة (٢٩٥) .
(٢) المرجع السابق (٢٩٥- ٢٩٦) .
(٣) انظر الحديث رقم (٧) .
(٤) فتح الباري ١/ ١٦٧
(٥) تيسير الكريم الرحمن ١٠/ ٢٧٥ (بتصرف) .