للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

- وإما في خطأ واجب إزالته: وفي هذا المجال يميز الرسول صلّى الله عليه وسلّم بين أخطاء تنتهك واجبا شخصيا، وما يطلق عليه: حق الله. وهو إما أن يكون خالصا أو مختلطا عن إنسان آخر. وبين أخطاء ترتكب في حق العباد، وهو ما يسمى: حق العباد.

والأخطاء التي في حق الله تعالى يغفرها الله تعالى، إلا الشرك. أما ما يتعلق بحق العباد فمهما فعلنا من أفعال طيبة مناقضة، ومهما دعونا الله أن يغفر لنا فإنه يظل عاجزا عن أن يصل إلى التوبة الكاملة، إذ يجب أن نحصل على إبراء صريح ومحدد من الذين أساءوا إليه، والأحاديث الشريفة في هذا المجال وافرة رويت في الصحيحين وفي المسانيد.

إلا أن الأمر لا يتوقف على مجرد الجزاء الإصلاحي. بل هناك جزاء ثوابي لممارسة القواعد الخلقية، فالفضيلة لها محاسنها، فالصلاة تجعلنا على اتصال بمنبع الكمالات، والزكاة تزكى، والصوم وسيلة إلى بلوغ التقوى، وبالجملة فإن ممارسة الفضائل تجعل الإنسان حكيما. شجاعا. كريما.

وكذلك ممارسة الرذيلة لا يتوقف أمرها على أضرار اجتماعية وفردية، بل يمتد أثرها إلى الجوانب النفسية والروحية. والأحاديث في هذا الباب كثيرة. ودلالتها واضحة.

وبالجملة كما يقول الدكتور دراز: «إن الجزاء الأخلاقي الثوابي يتمثل في الحسنة والسيئة أي في كسب القيمة أو خسارتها كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ «١» . كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ «٢» «٣» .

٢- الجزاء الشرعي:

المراد بالجزاء الشرعي تلك العقوبات التي أقرتها الشريعة الإسلامية لأولئك الذين يتعدون حدود الله، فيظلمون بذلك أنفسهم أولا، وغيرهم ثانيا.

إنه إذا كان الجزاء الأخلاقي يتصل بتركيب النفس من حيث الإصلاح وتزكية النفس فإن الجزاء الشرعي جزاء تأديبي أو عقابي لكل من تسول نفسه تجاوز قانون الحياة في المجتمع الإسلامي.

إن الترغيب والترهيب وإن كان لهما أثر بالغ في الردع عن مخالفة القواعد الشرعية لما يحدثانه من خشية وخوف ورجاء وطمع، ويؤازرهما في ذلك ما يسمّى ب «الوازع الأخلاقي» المتمثل في محاسبة النفس ومجاهدتها وما ينجم عن ذلك من نهي النفس عن الهوى وابتعاد الإنسان عن ارتكاب الخطايا والآثام، إلا أن ذلك كله قد لا


(١) المطففين: ٧.
(٢) المطففين: ١٨.
(٣) محمد عبد الله دراز: دستور الأخلاق، مرجع سابق، ص ٢٦١.