للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يكفي- أحيانا- لكف بعض الأشقياء عن الظلم والاعتداء واقتراف الجرائم ومن ثم كان الوازع المتمثل في الحدود الشرعية، هاما وضروريا في هذا المجال، نظرا لما لهذا الوازع من خطورة اجتماعية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن هذا الجزاء الشرعي يرتبط بارتكاب الأمور المنهي عنها شرعا، تلك الأمور التي تعد في حد ذاتها من المفاسد الأخلاقية، ومن هنا ندرك أهمية الجزاءات الشرعية في دفع المفاسد الأخلاقية «١» .

إن لهذه الجزاءات الشرعية أهدافا عديدة ترمي إلى تحقيقها منها:

١- الردع عن ارتكاب الجرائم أو تكرار ارتكابها، وبالتالي تربية هؤلاء وإصلاحهم.

٢- جعل من يرتكب هذه المفاسد أو الجرائم عبرة وعظة لغيرهم، وزجر هذا الغير عن التشبه بهم.

٣- تلافي الثأر، وإحلال الوئام والسلام في المجتمع والمحافظة على أمنه وسلامته «٢» .

وبالنظر في نظام المجازاة في التشريع الإسلامي يمكن أن نميز فيه مرتبتين أساسيتين هما:

١- الحدود: وهي الجزاءات التي حددها الشرع بدقة وصرامة. وهي من حقوق الله تعالى، ولا تسقط بالعفو ولا بالصلح، وهذه تتعلق بالجرائم التالية:

الزنا، السرقة، القذف، شرب الخمر، البغي، قطع الطريق، الردة.

والصرامة في هذه العقوبات لا تتيح مجالا أمام أي تنازل أو حل وسط. وفي الأحاديث ما يوضح ذلك جيدا فلا شفاعة لأحد في حد من حدود الله ولا تنازل عن توقيع هذا الحد، يوضح هذا ما روي عن عائشة- رضي الله عنها- أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ومن يجتريء عليه إلا أسامة حب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «أتشفع في حد من حدود الله؟» ثم قام فخطب قال:

«يا أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحد، وأيم الله، لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» «٣» .

وهذه الأخطاء لا يجوز العفو فيها إلا إذا كان في المجال الخاص، فمتى وصلت السلطة الجريمة أصبح تطبيق الحد أمرا جازما لا رجعة فيه «٤» .

إن هذه الحدود باعتبارها حق الله تعالى: إنما جعلت للحفاظ على حياة الإنسان، وبدنه وماله وعرضه،


(١) صبحي محمصاني، الدعائم الخلقية للقوانين الشرعية، ص ٤٣٠- ٤٣٣ (بتصرف واختصار) .
(٢) السابق، ص ٤٣٣- ٤٣٥ (بتصرف) .
(٣) صحيح البخارى (ط البغا) ، ج ٦ حديث رقم ٦٤٠٦، كتاب الحدود. باب ١٢.
(٤) اقتصرنا هنا على ذكر الخصائص العامة، أما العقوبات نفسها فيمكن مراجعة كتب التشريع الإسلامي في هذا المجال.