للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيما يتعلّق بالفعل المشتقّ من هذه المادّة؛ فإنّ معناه يختلف باختلاف التّجرّد والزّيادة من ناحية وباعتبار التّعدّي واللّزوم من ناحية ثانية وباعتبار حرف الجرّ المتعلّق به من ناحية ثالثة، ومن أمثلة ما أوردته كتب اللّغة من ذلك قولهم:

عدل في الحكم: لم يجر فيه، وعدل عليه في القضيّة: أنصفه، وعدل عن الحقّ: جار، ويقال: فلان يعدل فلانا: يساويه، وما يعدلك عندنا شيء: أي لا يقع شيء موقعك، وعدلت فلانا بفلان: سوّيت بينهما، وعدل فلان: صار ذا عدل، وعدل بالله: أشرك، وعدل عن الشّيء: حاد عنه، وعدل إليه: رجع، وعدل الفحل عن الإبل: ترك الضّراب، ومن أمثلة الصّيغ المزيدة قولهم: عدّل الشّيء قوّمه والحكم أقامه، وعدّل الشّاهد: زكّاه، وعادل الشّيء، وازنه، وعادل الأمر ارتبك فيه، وتأتي عادل في معنى انعدل أي اعوجّ، أمّا اعتدل فيراد بها استقام، وقد يحتمل الفعل عدل أكثر من معنى كما في قوله بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ (النمل/ ٦٠) يصحّ أن يكون على تقدير يعدلون به أي يشركون، ويصحّ أن يكون من قولهم: عدل عن الحقّ: جار «١» .

«العدل» من أسماء الله- عز وجل-:

ومن أسماء الله- تعالى- العدل. وهو الّذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم، وهو في الأصل مصدر سمّي به فوضع موضع (اسم الفاعل) العادل والمصدر أبلغ منه لأنّه جعل المسمّى نفسه عدلا «٢» .

ويقول الغزاليّ- رحمه الله-: من أراد أن يفهم وصف الله- عزّ وجلّ- بالعدل ينبغي له أن يحيط علما بأفعال الله- تعالى- من ملكوت السّماوات إلى منتهى الثّرى. حتّى إذا لم ير في خلق الرّحمن من تفاوت، ثمّ رجع إليه بصره فما رأى من فطور، ثمّ رجع مرّة أخرى فانقلب إليه البصر خاسئا وهو حسير، وقد بهره جمال ما رأى، وحيّره اعتداله وانتظامه، فعند ذلك يعبق بفمه شيء من معاني عدله، تعالى وتقدّس. وقد خلق الله أقسام الموجودات، جسمانيّها وروحانيّها، كاملها وناقصها، وأعطى كلّ شيء خلقه، وهو بذلك جواد، ورتّبها في مواضعها اللّائقة بها وهو بذلك عدل، ولينظر الإنسان إلى بدنه فإنّه مركّب من أعضاء مختلفة، فقد ركّبه من العظم واللّحم والجلد، وجعل العظم عمادا مستبطنا، واللّحم صوانا له مكتنفا إيّاه، وكذلك جعل الجلد صوانا للّحم، فلو عكس هذا التّرتيب وأظهر ما أبطن لبطل النّظام واختلّ العدل، وعلى هذا ينبغي أن تعلم أنّه لم يخلق شيء في موضع إلّا لأنّه متعيّن له، ولو تيامن عنه أو تياسر أو تسفّل أو تعلّى، لكان ناقصا أو باطلا، أو قبيحا، أو خارجا عن المتناسب، كريها في المنظر، ألم تر أنّه مثلا لو خلق الأنف على غير وسط الوجه أو لو خلق على الجبهة أو على


(١) المفردات للراغب (٣٢٤) (بتصرف يسير) ، وانظر هذه الأمثلة وغيرها في المراجع المذكورة فى التعليق السابق.
(٢) لسان العرب (٥/ ٢٨٣٩) .