للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لجوء قريش إلى سبّ القرآن ومنزله ومن جاء به:

روى البخاري «١» ومسلم «٢» والترمذي «٣» وغيرهم في قوله تعالى: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها أن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: «نزلت ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم مختف بمكة. كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع المشركون قراءته سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله تعالى لنبيه محمد صلّى الله عليه وسلّم: وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن وَلا تُخافِتْ بِها عن أصحابك فلا تسمعهم وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا «٤» .

وروى ابن إسحق «٥» أن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه، وكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعض ما يتلو وهو يصلي يسترق السمع فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم ولم يستمع، وإن خفض رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صوته لم يسمعوا شيئا من قراءته، فأنزل الله تعالى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ أي فيتفرقوا عنك، وَلا تُخافِتْ بِها فلا يسمع من أراد أن يستمعها ممن يسترق ذلك دونهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فيقتنع به وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا.

وعند ما كان المسلمون يسبون أصنام الكفار، أخذ المشركون يسبون الله عدوا بغير علم، فأنزل الله: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ «٦» .

[التعاون مع اليهود للتصدي للدين الجديد:]

أوفدت قريش نفرا منهم إلى المدينة، على رأسهم: النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط ليأتوا من اليهود بأسئلة تعجيزية فيطرحونها على الرسول صلّى الله عليه وسلّم. فقالت لهم يهود: سلوه عن أهل الكهف وعن ذي القرنين وعن الروح. ولكن الله أبطل كيدهم عند ما أنزل الله قرآنا في شأن الإجابة عن أسئلتهم «٧» .


(١) فتح الباري (١٧/ ٢٩٩- ٣٠٠/ ح ٤٧٢٢) . والحديث الذي يليه (٤٧٢٣) فيه تفسير عائشة- رضي الله عنها- بأن الآية نزلت في الدعاء، قال ابن حجر: «ورجح النووي وغيره قول ابن عباس- رضي الله عنهما-، كما رجحه الطبري، لكن يحتمل الجمع بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة. وقد روى ابن مردويه من حديث أبي هريرة قال: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلت. وجاء عند أهل التفسير في ذلك أقوال أخر..» - الفتح (١٧/ ٣٠٠) .
(٢) مسلم- الصحيح (١/ ٣٢٩/ ح ١٤٥) .
(٤) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ ١١٠.
(٣) صحيح سنن الترمذي (٣/ ٧٠/ ٣٣٦٦- ٣٣٦٧) ، قال الألباني: «صحيح متفق عليه» .
(٥) السير والمغازي، ص/ ٢٠٦ بإسناد ضعيف لضعف داود بن الحصين في روايته عن عكرمة- انظر الكامل (٣/ ٩٥٩) ، التهذيب (٣/ ١٨١) ، التقريب، ص/ ١٩٩.
(٦) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ ١٠٨.
(٧) روى هذه القصة ابن إسحق- بدون إسناد- ابن هشام- السيرة (١/ ٣٧١- ٣٧٢) ، والترمذي صحيح الترمذي (٣/ ٦٩/ ح ٣٣٦١- ٣٣٦٢) من حديث ابن عباس- رضي الله عنهما-، وقال الألباني: «صحيح الإسناد» ، وفيها السؤال عن الروح فقط.