للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(المائدة/ ٢) الثّاني غير محظور: وهو الّذي يكون على سبيل المجازاة ويصحّ أن يتعاطى مع من ابتدأ به ومن ذلك قوله سبحانه: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (البقرة/ ١٩٣) .

[أنواع العدو:]

العدوّ أيضا على ضربين: أحدهما: ما يكون العداوة من مقصوده كما في قوله تعالى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ (النساء/ ٩٢) ، والآخر: ما لم يقصد إلى ذلك وإنّما تعرض له حالة يتأذّى بها كما يتأذّى من العدا كما في قوله سبحانه: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ (التغابن/ ١٤) «١» .

[أنواع العداوة:]

والعداوة أيضا على ضربين: الأوّل باطن لا يدرك بالحاسّة. والآخر: ظاهر يدرك بالحاسّة.

فالباطن اثنان: أحدهما: الشّيطان وهو أصل كلّ عدوّ، وقد حذّرنا الله تعالى منه غاية التّحذير فقال:

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا (فاطر/ ٦) ، وقال: أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ (يس/ ٦٠) ، وقال:

وَلا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ (البقرة/ ١٦٨) .

والثّاني: الهوى المعبّر عنه بالنّفس في قوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ (يوسف/ ٥٣) ، وقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أعدى عدوّك نفسك الّتي بين جنبيك» . وكذلك الغضب إذا كان فوق ما يجب، ولكون هذه القوّة في الإنسان إذا أثيرت طريقا للشّيطان في وصوله إلينا وكونها كالخليقة لها سمّاها النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم باسمه فقال:

«الهوى شيطان والغضب شيطان» وقال تعالى حكاية عن موسى- عليه السّلام- هذا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (القصص/ ١٥) .

وأمّا الظّاهر من الأعداء فالإنسان. وذلك ضربان:

الضّرب الأوّل: هو عدوّ مضطغن للعداوة قاصد إلى الإضرار إمّا مجاهرة وإمّا مساترة. وذلك اثنان.

واحد يعادي كلّ أحد وهو إنسان سبعيّ الطّبع خبيث الطّينة مبغض لكلّ من لم يحتج إليه في العاجل بغيض إلى كلّ نفس، يهارش كلّ من لا يخافه. ومثله هو الّذي عنى تعالى بشياطين الإنس.

والثّاني: عدوّ خاصّ العداوة: وذلك إمّا بسبب الفضيلة أو الرّذيلة كمعاداة الجاهل العالم وإمّا بسبب نفع دنيويّ كالتّجاذب في رئاسة ومال وجاه، وإمّا بسبب لحمة ومجاورة مورثة للحسد كمعاداة بني الأعمام بعضهم لبعض. وذلك في كثير من النّاس كالطّبيعيّ، وقال رجل لآخر، إنّي أحبّك. فقال: قد علمت ذلك، قال: ومن أين علمت؟ قال: لأنّك لست لي بشريك ولا نسيب ولا جار قريب، وأكثر المعاداة بين النّاس تتولّد من شيء من ذلك.

والضّرب الثّاني: عدوّ غير مضطغن بالعداوة. ولكن يؤدّي حاله بالإنسان إلى أن يقع بسببه في مثل ما يقع


(١) المفردات (٢٢٦، ٢٢٧) بتصرف.