وبعضهم يستخير الاستخارة الشّرعيّة ويتوقّف بعدها حتّى يرى مناما يفهم منه فعل ما استخار فيه أو تركه أو يراه غيره. وهذا ليس بشيء، لأنّ صاحب العصمة صلّى الله عليه وسلّم أمر بالاستخارة والاستشارة لا بما يرى في المنام، ولا يضيف إليها شيئا، ويا سبحان الله! إنّ صاحب الشّرع صلوات الله وسلامه عليه قد اختار لنا ألفاظا منتقاة جامعة لخيري الدّنيا والآخرة، حتّى قال الرّاوي للحديث في صفتها على سبيل التّخصيص، والحضّ على التّمسّك بألفاظها وعدم العدول إلى غيرها:
(كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يعلّمنا الاستخارة في الأمور كلّها كما يعلّمنا السّورة من القرآن) ومعلوم أنّ القرآن لا يجوز أن يغيّر أو يزاد فيه أو ينقص منه، ثمّ انظر إلى حكمة أمره عليه الصّلاة والسّلام المكلّف بأن يركع ركعتين من غير الفريضة، وما ذاك إلّا لأنّ صاحب الاستخارة يريد أن يطلب من الله تعالى قضاء حاجته، وقد قضت الحكمة أنّ من الأدب قرع باب من تريد حاجتك منه، وقرع باب المولى- سبحانه وتعالى- إنّما هو بالصّلاة، فلمّا أن فرغ من تحصيل فضائل الصّلاة الجمّة أمره صاحب الشّرع عليه الصّلاة والسّلام بالدّعاء الوارد.
[فضل صلاة الاستخارة:]
ولو لم يكن فيها من الخير والبركة إلّا أنّ من فعلها كان ممتثلا للسّنّة المطهّرة محصّلا لبركتها، ثمّ مع ذلك تحصل له بركة النّطق بتلك الألفاظ الّتي تربو على كلّ خير يطلبه الإنسان لنفسه ويختاره لها. فيا سعادة من رزق هذا الحال، وينبغي للمرء أن لا يفعلها إلّا بعد أن يتمثّل ما ورد من السّنّة في أمر الدّعاء، وهو أن يبدأ أوّلا بالثّناء على الله- سبحانه وتعالى- ثمّ يصلّي على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ يأخذ في دعاء الاستخارة الوارد ثمّ يختمه بالصّلاة على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ الأفضل أن يجمع بين الاستخارة والاستشارة؛ فإنّ ذلك من كمال الامتثال للسّنّة، وقد قال بعض السّلف: من حقّ العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرّأي الفذّ ربّما زلّ، والعقل الفرد ربّما ضلّ. فعلى هذا، فمن ترك الاستخارة والاستشارة يخاف عليه من التّعب فيما أخذ بسبيله لدخوله في الأشياء بنفسه دون الامتثال للسّنّة المطهّرة وما أحكمته في ذلك.
قال النّوويّ: وينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، ولا يعتمد على انشراح كان فيه هوى قبل الاستخارة، بل ينبغي للمستخير ترك اختياره رأسا، وإلّا فلا يكون مستخيرا لله، بل يكون غير صادق في طلب الخيرة وفي التّبرّي من العلم والقدرة وإثباتها لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرّأ من الحول والقوّة ومن اختياره لنفسه «١» .