للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر في تفسيرها: أنّها النّظرة بعد النّظرة (وهذا هو إطلاق البصر) وقيل: إنّها الرّمز بالعين، وقيل: النّظر إلى ما نهي عنه، وقيل: هي أن يقول: رأيت وما رأى، أو ما رأيت وقد رأى، وقيل: مسارقة النّظر، وسمّي ذلك ب «خائنة الأعين» إمّا لإخفاء الإشارات فصارت بالاستخفاء كالخيانة، أو لأنّها باستراق النّظر إلى المحظور تعدّ خائنة «١» ، وذكر الطّبريّ: أنّ خائنة الأعين يراد بها النّظر إلى ما نهى الله عنه «٢» .

الثّاني: إطلاق النّظر فيما ينبغي أن يتخلّق به من البصر، يقول العزّ بن عبد السّلام: وأمّا التخلّق به فنظرنا ضربان:

أحدهما: ضروريّ، وهو النّظر الاتّفاقيّ.

والثّاني: كسبيّ، وتتخلّق منه بكلّ نظر أوجبه الله تعالى عليك، أو ندبك إليه، كالحراسة في سبيل الله، والنّظر في مصنوعات الله الدّالّة على كمال قدرته، وتمام حكمته، وشمول علمه، ونفوذ إرادته، فإنّك تستدلّ بالصّنعة على القدرة، وبالقدرة على الإرادة، وبالإرادة على العلم، وبالعلم على الحياة، ودليل التّخلّق بذلك قوله تعالى: قُلِ انْظُرُوا ماذا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (يونس/ ١٠١) وقوله عزّ وجلّ: انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ (الأنعام/ ٩٩) ، وكما أمرك بأن تنظر إلى الأكوان بالنّظر الحقيقيّ، فقد أمرك بأن تنظر إلى الدّيّان بالنّظر التّقديريّ، فقد جعل إحسانك لعبادته «أن تعبد الله كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك» «٣» .

[جناية النظر المحرم:]

قال ابن القيّم رحمه الله تعالى: إنّ النّظر يولّد المحبّة فتبدأ علاقة يتعلّق بها القلب بالمنظور إليه، ثمّ تقوى فتصير صبابة ينصبّ إليه القلب بكلّيّته، ثمّ تقوى فتصير غراما يلزم القلب كلزوم الغريم الّذي لا يفارق غريمه، ثمّ تقوى فيصير عشقا وهو الحبّ المفرط، ثمّ يقوى فيصير شغفا وهو الحبّ الّذي قد وصل إلى شغاف القلب وداخله، ثمّ يقوى فيصير تتيّما وهو التّعبّد فيصير القلب عبدا لمن لا يصلح أن يكون هو عبدا له، وهذا كلّه جناية النّظر فحينئذ يصير القلب أسيرا بعد أن كان ملكا، ومسجونا بعد أن كان مطلقا، فيتظلّم من الطّرف ويشكوه، والطّرف يقول:

أنا رائدك ورسولك وأنت بعثتني، فيبتلى بطمس البصيرة فلا يرى به الحقّ حقّا، ولا الباطل باطلا، وهذا أمر يحسّه الإنسان من نفسه فإنّ القلب كالمرآة، والهوى كالصّدإ فيها، فإذا خلصت المرآة من الصّدأ انطبعت فيها صور الحقائق كما هي، وإذا صدئت لم تنطبع فيها صور المعلومات «٤» .

[للاستزادة: انظر صفات: انتهاك الحرمات- التجسس- الفتنة- التبرج- المجاهرة بالمعصية- الغي والإغواء- اتباع الهوى- الإصرار على الذنب- التفريط والإفراط- الفضح.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: غض البصر- العفة- الأدب- الستر- المداراة- المراقبة] .


(١) انظر فى ذلك: النكت والعيون للماوردي (٥/ ١٤٩، ١٥٠) .
(٢) تفسير الطبري (١١/ ٥٠) .
(٣) شجرة المعارف والأحوال (ص ٢٦) بتصرف.
(٤) إغاثة اللهفان (١/ ٤٧- ٤٨) بتصرف.