للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثّقيل، وتهديه في ظلم الاراء والمذاهب إلى سواء السّبيل. وتصدّه عن اقتحام طرق البدع والأضاليل وتبعثه على الازدياد من النّعم بشكر ربّه الجليل، وتبصّره بحدود الحلال والحرام، وتوقفه عليها لئلّا يتعدّاها فيقع في العناء الطّويل، وتثبّت قلبه عن الزّيغ والميل عن الحقّ والتّحويل. وتسهّل عليه الأمور الصّعاب والعقبات الشّاقّة غاية التّسهيل. وتناديه كلّما فترت «١» عزماته، وونى «٢» في سيره: تقدّم الرّكب وفاتك الدّليل. فاللّحاق اللّحاق، والرّحيل الرّحيل، وتحدو به وتسير أمامه سير الدّليل وكلّما خرج عليه كمين من كمائن العدوّ أو قاطع من قطّاع الطّريق نادته: الحذر الحذر، فاعتصم بالله، واستعن به، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل.

وفي تأمّل القرآن وتدبّره، وتفهّمه أضعاف أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد «٣» .

[الفرق بين التأمل والتفكر والتدبر:]

قد يظنّ المرء للوهلة الأولى أنّ هذه الصّفات الثّلاثة مترادفة أي أنّها ذات معنى واحد، ولكن لا يلبث هذا الظنّ أن يتلاشى عند التّحقيق العلمي؛ لأنّ بينها فروقا دقيقة تحتّم أن نجعلها صفات مستقلّة، فالتّأمّل في أصل اللّغة مأخوذ من مادّة (أم ل) الّتي تدلّ على التثبّت. والانتظار، والتّفكّر مأخوذ من مادة (ف ك ر) الّتي تدلّ على تردّد القلب في الشّيء، أمّا التّدبّر فمأخوذ من مادّة (د ب ر) الّتي يقصد بها النّظر في عواقب الأمور.

ومن النّاحية الاصطلاحيّة نجد التّفكّر يشير إلى جولان الفكرة وهي القوّة المطرقة للعلم بحسب نظر العقل وذلك للإنسان دون الحيوان كما يقول الرّاغب «٤» ، ولا يقال هذا إلا فيما يمكن أن يحصل له صورة في القلب، ولهذا روي: «تفكّروا في آلاء الله ولا تفكّروا في الله» .

وقد عرّفه الجرجانيّ بأنّه تصرّف القلب في معاني الأشياء لدرك المطلوب «٥» ، ونقل عن بعضهم: أنّ الفكر مقلوب عن الفرك، لكن يستعمل الفكر في المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا للوصول إلى الحقيقة، أمّا الفرك فيكون في الأمور الحسّيّة لا المعنويّة، وهذا دليل على ما ذهب إليه فقهاء اللّغة العربيّة من دوران المادّة حول معنى (عامّ) واحد، مع اختلاف في التّفاصيل ولا يشترط في التّفكّر إدامة النّظر ولا أن يتجاوز الحاضر إلى ما يئول إليه الشّيء مستقبلا. أمّا التّأمّل فقد روعي فيه إدامة النّظر والتّثبّت إذ جاء في تعريفه أنّه «تدقيق النّظر في الكائنات بغرض الاتّعاظ والتّذكّر «٦» أي إنّه قد روعي إدامة الفكر واستمراريّته ومن ثمّ فلا تكون النّظرة


(١) فترت: ضعفت.
(٢) ونى: أبطأ.
(٣) مدارج السالكين (١/ ٤٨٥- ٤٨٧) .
(٤) انظر المفردات للراغب (٣٧٤) .
(٥) التعريفات (٦٦) .
(٦) انظر التعريف الاصطلاحي للتأمل، وقد عرفه الكفوي بأنه استعمال الفكر مطلقا، انظر الكليات (٢/ ٦٠) .