للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ* «١» . كما كان المشركون يتواصون بينهم بافتعال ضجة عالية وصياح منكر عند ما يقرأ القرآن، حتى لا يسمع فيفهم فيترك أثرا في عقل نقي وقلب طيب.

وفي ذلك قال المولى- عز وجل-: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ «٢» .

[لجوء المشركين إلى المطالبة بالمعجزات:]

وطالبت قريش أن يريهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم معجزات أو مزايا ليست عند البشر العاديين: من ذلك قولهم ... مالِ هذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْلا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً* أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها «٣» فرد عليهم الله تعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ «٤» .

وقولهم: وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً* أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلًا* أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ. ولذا قال لهم الرسول صلّى الله عليه وسلّم كما جاء في الآية نفسها قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولًا «٥» .

وسألوه أن يسيّر لهم جبال مكة، ويقطع لهم الأرض ليزرعوها، ويبعث لهم من مضى من الآباء الموتى أمثال قصي ليسألوه عن صدق محمد، ورد الله عليهم في قوله: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً «٦» ، ولقد كان طلبهم على وجه العناد، لا على وجه طلب الهدى والرشاد. قال تعالى:

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ «٧» وَلَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ «٨» . وقال تعالى: وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ... «٩» .


(١) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ ١٠. وذكر ذلك ابن إسحاق بلاغا- ابن هشام- السيرة (٢/ ٤٢) . ولم يذكر المفسرون سببا معينا لهذه الآية. ومن ذكره منهم رواه من طريق ابن إسحاق، مثل ابن المنذر وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور (٣/ ٥) .
(٢) القرآن الكريم- سورة فصلت، الآية/ ٢٦، انظر زاد المسير (٧/ ٢٥٢) .
(٣) القرآن الكريم- سورة الفرقان، الآيات/ ٧- ٨.
(٤) القرآن الكريم- سورة يونس، الآية/ ١٥.
(٥) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآيات/ ٩٠- ٩٣.
(٦) القرآن الكريم- سورة الرعد، الآية/ ٣١. وانظر سبب نزولها عند ابن كثير- التفسير (٤/ ٣٨٢) ، والطبري- التفسير (١٦/ ٤٤٦- ٤٥٠/ شاكر) متلا إلى ابن عباس- رضي الله عنهما- ومرسلا إلى مجاهد والضحاك، ابن إسحاق- بدون إسناد: ابن هشام- السيرة (١/ ٣٨١) ، الشامي: سبل الهدى (٢/ ٤٥٦- ٤٥٧) من خبر رواه أبو يعلى وأبو نعيم عن الزبير بن العوام، وفي (٢/ ٤٥٢) حول هذا الخبر من رواية ابن إسحاق وابن جرير والبيهقي- كما قال.
(٧) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ ١٠٩.
(٨) القرآن الكريم- سورة الأنعام، الآية/ ١١١.
(٩) القرآن الكريم- سورة الإسراء، الآية/ ٥٩.