الإسلامية تجعل هذا الفكر بالفعل فكرا عالميا أو إنسانيا، يؤمن به من يؤمن على هذا الأساس، أو ينكره على هذا الأساس» «١» ، من ناحية أخرى.
[تطور الفكر الأخلاقي وثراؤه عند المسلمين:]
إن أهم ما يميز هذا الفكر ويؤكد أصالته هو هذا التنوع الهائل، وذلك الكم الضخم من المؤلفات التي أسهم بها العلماء المسلمون في المجال الأخلاقي، وقد كانت هذه الجهود المباركة- شأنها شأن أي جهد علمي خلّاق- قد بدأت صغيرة ثم كبرت، مختلطة بغيرها في البداية ثم استقلت.
لقد أرسى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة المفاهيم والقيم اللازمة لإقامة حياة سعيدة على الأرض، مع ضمان الجزاء الأوفى في الآخرة، وقد تفاعل الفكر الإنساني مع هذه المبادىء والقيم، سواء أكانت حضارية أو عقدية أو أخلاقية أو اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، وحاول التعامل معها، فقد دفع القرآن الكريم إلى الناس والعالم أجمع نظرة جديدة في الكون والحياة والمجتمع، وكانت هذه الجدة متمثلة في الوسطية والحيوية والحركة والتكامل.
وتطور الفكر الإسلامي كوحدة متكاملة بعد استقرار المقومات الأساسية باكتمال نزول القرآن وانتقال الرسول محمد صلّى الله عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى، ومن ثم ظهرت علوم كثيرة، في العقائد، والأحكام، واللغة، والأدب، والنحو والصرف، والاشتقاق والمعاني والبديع، والبيان، والحديث والتفسير، والأصول، والعلوم التجريبية. ولعل أبرز إنجاز في هذا المجال، والذي استطاع الفكر الإسلامي أن يبحث به كل هذه العلوم هو المنهج: منهج البحث، والذي استنبط من تعليمات القرآن، في دعوتها الإنسان للعلم واستخدام العقل: دعوتها الإنسان إلى تخليص النفس من أثر كل رأي وعقيدة سابقة، ثم البحث والملاحظة والنظر والموازنة والاستنباط، كل ذلك في إطار حرية العقل والفكر، فلم يترك القرآن وسيلة تهدف إلى تحرير الفكر إلا دعا إليها، ليقيم الإيمان والتدين على أساس راسخ من الفكر الدقيق واليقين المستوعب.
على هذه الأسس انطلق الفكر الإسلامي منتجا ومستوعبا ومواجها ومتحديا في كافة المجالات، وكانت حصيلة ضخمة خلّفها الفكر الإسلامي، وهي تبدو الآن ذخيرة حية، يمكنها أن تمد الحياة المعاصرة وحضارتنا بقوى روحية وعقلية كبيرة، ونحن نقف إزاءها موقف الإكبار والإعجاب.
وسوف نعرض في الفقر التالية لأهم الأعمال والمؤلفات الأخلاقية التي أسهم بها العلماء المسلمون في مجالي القيم والأخلاق الإسلامية، مما يؤدي إلى البرهنة على أن الفكر الإسلامي فكر أصيل، وأنه قد تطور تطورا طبيعيا، وأنه أسهم في مجال الفكر الخلقي على المستوى العالمي.
(١) محمد الكتاني، جدل العقل والنقل في مناهج التفكير الإسلامي ص ١٣.