للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[فضل الصدق وأثره:]

قال صاحب البصائر: أمر الله سبحانه أهل الإيمان أن يكونوا مع الصّادقين، وخصّص المنعم عليهم بالنّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصّالحين، فقال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (التوبة/ ١١٩) ، وقال: وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ (النساء/ ٦٩) ، فهم أهل الرّفيق الأعلى، وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً ولا يزال الله يمدّهم بنعمه وألطافه، ويزيدهم إحسانا منه وتوفيقا، ولهم مزيّة المعيّة مع الله، فإنّ الله تعالى مع الصّادقين. وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان، والإسلام، والصّدقة، والصّبر، وبأنّهم أهل الصّدق فقال: وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتابِ وَالنَّبِيِّينَ (البقرة/ ١٧٧) إلى قوله:

أُولئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ، وهذا صريح في أنّ الصّدق بالأعمال الظّاهرة والباطنة، وأنّ الصّدق هو مقام الإسلام والإيمان.

وقسّم سبحانه النّاس إلى صادق ومنافق، فقال: لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ (الأحزاب/ ٢٤) .

والإيمان أساسه الصّدق، والنّفاق أساسه الكذب، فلا يجتمع كذب وإيمان إلّا وأحدهما يحارب الآخر. وأخبر سبحانه أنّه في القيامة لا ينفع العبد وينجّيه من عذابه إلّا صدقه، فقال تعالى: هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (المائدة/ ١١٩) ، وقال: وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ* لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (الزمر/ ٣٣- ٣٥) ، والّذي جاء بالصّدق هو من شأنه الصّدق في قوله، وعمله، وحاله.

وقد أمر سبحانه رسوله أن يسأله أن يجعل مدخله ومخرجه على الصّدق، فقال: وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً. (الإسراء/ ٨٠) .

لسان الصدق- قدم الصدق- مدخل ومخرج الصدق- مقعد الصدق:

وأخبر عن خليله إبراهيم عليه السّلام أنّه سأله أن يجعل له لسان صدق في الآخرين. وبشّر عباده أنّ لهم قدم صدق، ومقعد صدق؛ فقال: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ (يونس/ ٢) ، وقال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ* فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ (القمر/ ٥٤- ٥٥) . فهذه خمسة أشياء: مدخل الصّدق، ومخرج الصّدق، ولسان الصّدق، ومقعد الصّدق، وقدم الصّدق. وحقيقة الصّدق في هذه الأشياء هو الحقّ الثّابت المتّصل بالله، الموصّل إلى الله، وهو ما كان به وله من الأعمال والأقوال. وجزاء ذلك في الدّنيا والآخرة.

أمّا لسان الصّدق فهو الثناء الحسن من سائر الأمم بالصّدق وليس بالكذب؛ كما قال عن بعض