للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبذير، بذير قيل إتباع، وقيل لغة «١» .

أمّا التّبذير في قول الله تعالى: وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً (الاسراء/ ٢٦) .

فقد ذكر الطّبريّ أنّ أصل التّبذير هو الإنفاق في السّرف ومنه قول الشّاعر:

أناس أجارونا فكان جوارهم ... أعاصير من فسق العراق المبذّر «٢» .

وقال القرطبيّ: المعنى: لا تسرف في الإنفاق في غير حقّ «٣» ، ومن ثمّ يكون التّبذير المقصود في الآية الكريمة: هو النّفقة في غير وجوه البرّ الّتي يتقرّب بها إلى الله تعالى، وقال ابن كثير: لمّا أمر المولى سبحانه بالإنفاق في صدر الآية: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ.. نهى عن الإسراف في الإنفاق بأن يكون وسطا، كما قال سبحانه في الآية الأخرى.. وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا (الفرقان/ ٦٧) «٤» .

[التبذير اصطلاحا:]

قال المناويّ: التّبذير: تفريق المال على وجه الإسراف «٥» ، وأصله إلقاء البذر وطرحه فاستعير لكلّ مضيّع لماله «٦» ، فتبذير البذر تفريق في الظّاهر لمن لا يعرف مآل ما يلقيه «٧» .

ونقل القرطبيّ عن الإمام الشّافعّيّ- رحمه الله- قوله:

التبذير: إنفاق المال في غير حقّه، ولا تبذير في عمل الخير «٨» .

وروي عن الإمام مالك- رضي الله عنه- قوله:

التّبذير: هو أخذ المال من حقّه ووضعه في غير حقّه.

[الفرق بين التبذير والإسراف:]

قال الكفويّ: الإسراف: هو صرف فيما لا ينبغي زائدا على ما ينبغي، أمّا التّبذير فإنّه صرف الشّيء فيما لا ينبغي وأيضا فإنّ الإسراف تجاوز في الكمّيّة إذ هو جهل بمقادير الحقوق، والتّبذير تجاوز في موضع الحقّ، إذ هو جهل بمواقعها (أي الحقوق) ، يرشد إلى هذا قول الله سبحانه في تعليل (النّهي عن) الإسراف إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (الأنعام/ ١٤١) ، وقوله عزّ وجلّ في تعليل النّهي عن التّبذير: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً (الإسراء/ ٢٧) . فإنّ تعليل الثّاني فوق


(١) لسان العرب ٤/ ٥١ ومعنى كونها اتباعا أنها كلمة أتى بها لتقوية المعنى فقط أما كونها لغة فهو أن بعض العرب قد أبدلوا الثاء في بثير ذالا فقالوا بذير.
(٢) تفسير الطبري مجلد ٨ ج ١٥ ص ٥٣.
(٣) تفسير القرطبي ١٠/ ٢٤٧.
(٤) تفسير ابن كثير ٣/ ٣٩.
(٥) التوقيف على مهمات التعاريف ص ٩، والتعريفات للجرحاني ص ٥٢.
(٦) انظر المفردات للراغب ص ٥٢ (ت محمد أحمد خلف الله)
(٧) تفسير القرطبي ١٠/ ٢٤٧.
(٨) السابق، الصفحة نفسها، وانظر آراء أخرى عن الصحابة والتابعين في الجزء الخاص بالآثار.