للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذا أثاروها، وأعلم الله جلّ ثناؤه على لسان رسوله أنّ طيرتهم باطلة، وقال: «لا طيرة ولا هامة» ، قال الأزهريّ: كانت العرب مذهبها في الفأل والطّيرة واحد فأثبت النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الفأل واستحسنه، وأبطل الطّيرة ونهى عنها «١» ، أمّا قوله- عزّ وجلّ- في قصّة موسى عليه السّلام: يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَمَنْ مَعَهُ (الأعراف/ ١٣١) أي يتشاءموا به ويقولون:

ما أصابنا ذلك إلّا بشؤمهم، وقيل: يقولون: ذهبت حظوظنا وأنصباؤنا من الرّخاء والخصب والعافية منذ جاءنا موسى عليه السّلام «٢» .

وقال ابن منظور: التّطيّر: التّشاؤم، والطّائر: ما تشاءمت به، والطّائر: الحظّ وهو الّذي تسمّيه العرب البخت، والطّيرة: ما يتشاءم به من الفأل الرّديء «٣» .

[التطير اصطلاحا:]

التطيّر هو التّشاؤم بما يرى من مجيء الطّير والظّباء ونحو ذلك ناحية الشّمال أو بما يسمع من صوت طائر، كائنا ما كان وعلى أيّ حال كان. هذا هو التّطيّر عند العرب.

أمّا تطيّر الأعاجم وتشاؤمهم فهو عند ما يرون صبيّا يذهب به إلى المعلّم بالغداة، أو برؤية السّقّاء على ظهره قربة مملوءة مشدودة، أو بالحمّال المثقل بالحمل، والدّابّة الموقرة (أي الّتي عليها حمل شديد) «٤» .

[أصل التطير:]

قال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: إنّهم كانوا في الجاهليّة يعتمدون على الطّير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطّير طار يمنة تيمّن به واستمرّ، وإن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع، وربّما كان أحدهم يهيّج الطّير ليطير فيعتمدها، فجاء الشّرع بالنّهي عن ذلك، وكانوا يسمّونه السّانح ويتيمّنون به إذا ولّاك ميامنه بأن يمرّ عن يسارك إلى يمينك، والبارح بالعكس من ذلك وليس في شيء من سنوح الطّير وبروحها ما يقتضي ما اعتقدوه، وإنّما هو تكلّف بتعاطي مالا أصل له، إذ لا نطق للطّير ولا تمييز فيستدلّ بفعله على مضمون معنى فيه، وطلب العلم من غير مكانه جهل من فاعله «٥» .

[التطير شقاء في الدنيا وعذاب في الآخرة:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: التّطيّر إنّما يضرّ من أشفق منه وخاف، وأمّا من لم يبال به ولم يعبأ به شيئا لم يضرّه ألبتّة، ولا سيّما إن قال عند رؤية ما يتطيّر به أو سماعه: اللهمّ لا طير إلّا طيرك، ولا خير إلّا خيرك، ولا إله غيرك، اللهمّ لا يأتي بالحسنات إلّا أنت، ولا يذهب بالسّيّئات إلّا أنت، ولا حول ولا قوّة إلّا بك. وذلك لأنّ الطّيرة باب من أبواب الشّرك وإلقاء الشّيطان وتخويفه ووسوسته وهذا يعظم شأنه


(١) تهذيب الأزهري (١٥/ ١٢) .
(٢) تفسير القرطبي، وروح المعاني للألوسي (٩/ ٣٢) ، وتفسير الطبري (٧/ ١٦٩) .
(٣) لسان العرب (٥/ ٢٧٣٥، ٢٧٣٨) .
(٤) تفسير القرطبي (٧/ ١٦٩) .
(٥) الفتح (١٠/ ٢١٢- ٢١٣) بتصرف يسير.