للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أو فعل إلّا في شرك أو معصية ما لم يتعنّت الوالد.

وقال ابن الصّلاح- رحمه الله-: العقوق المحرّم كلّ فعل يتأذّى به الوالد أو نحوه تأذّيا ليس بالهيّن مع كونه ليس من الأفعال الواجبة «١» .

وقال كعب الأحبار- وقد سئل عن عقوق الوالدين ما هو؟ قال: هو إذا أقسم عليه أبوه أو أمّه لم يبرّ قسمهما، وإذا أمراه بأمر لم يطع أمرهما، وإذا سألاه شيئا لم يعطهما، وإذا ائتمناه خانهما «٢» .

وهذه لا شكّ بعض مظاهر العقوق، وقد بقيت مظاهر أخرى منها: إلحاق الأذى بهما وسبّهما ونحو ذلك.

وقال ابن حجر: العقوق أن يحصل لهما أو لأحدهما إيذاء ليس بالهيّن عرفا «٣» .

[ضابط العقوق:]

قال ابن حجر: هو أن يؤذي الولد أحد والديه بما لو فعله مع غير والديه كان محرّما من جملة الصّغائر فينتقل بالنّسبة إلى أحد الوالدين إلى الكبائر، أو يخالف أمر والديه أو أحدهما فيما يدخل فيه الخوف على الولد من فوات نفسه أو عضو من أعضائه ما لم يتّهم الوالد في ذلك، أو أن يخالف في سفر يشقّ على الوالد وليس بفرض على الولد، أو يخالف في غيبة طويلة فيما ليس بعلم نافع ولا كسب «٤» وقد شرح- رحمه الله- هذا الضّابط بما لا يتّسع له المقام هنا، فليرجع إليه من شاء في موضعه من كتاب الزّواجر «٥» .

[حكم العقوق:]

أجمع العلماء على أنّ عقوق الوالدين أو أحدهما من الكبائر، وقد ذكر الإمامان: الذّهبيّ وابن حجر أدلّة عديدة على ذلك من الكتاب والسّنّة وقد جاء في الحديث الصّحيح أنّ هذا العقوق ليس فقط كبيرة فحسب، ولكنّه من أكبر الكبائر (انظر الحديث الأوّل من الصّفة) ، وقال الذّهبيّ معقّبا على هذا الحديث:

انظر كيف قرن الإساءة إليهما وعدم البّرّ بهما والإحسان إليهما بالإشراك «٦» .

وقال ابن حجر ما خلاصته: من الكبائر عقوق الوالدين أو أحدهما وإن علا، ولو مع وجود من هو أقرب إليهما منه، وقال بعد أن ذكر الايات الدّالّة على ذلك: وقد جاء في السّنّة من التأكيد على ذلك ما لا تحصى كثرته ولا تحدّ غايته، وبعد أن ذكر طرفا من ذلك قال: عدّ العقوق من الكبائر هو ما اتّفقوا عليه، وردّ على الحليميّ رأيا له في ذلك خلاصته: أنّ العقوق كبيرة فإن كان معه نحو سبّ ففاحشة، وإن كان عقوقه هو استثقاله لأمرهما ونهيهما والعبوس في وجههما، والتّبرّم بهما مع بذل الطّاعة ولزوم الصّمت فصغيرة، وإن كان ما يأتيه من ذلك يلجئهما إلى أن ينقبضا فيتركا أمره ونهيه ويلحقهما من ذلك ضرر فهو كبيرة. وقد ردّ ابن حجر على ذلك بأنّ ما عدّه من


(١) فتح الباري لابن حجر (١٠/ ٤٠٦) ، ودليل الفالحين (٢/ ١٧٨) .
(٢) الكبائر للذهبي (٤١) .
(٣) الزواجر (٤٥٩) .
(٤) المرجع السابق (٤٦٠) .
(٥) المرجع السابق (٤٦٠- ٤٦٢) .
(٦) الكبائر للذهبي (٤٠) .