للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الدّلالة والأمارة، قال تعالى فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (المدثر/ ٤٩) «١» والاستذكار: الدّراسة للحفظ، والتّذكّر: طلب شيء فات «٢» . واستذكر الرّجل ربط في إصبعه خيطا ليذكر به حاجته. وذكرت الشّيء بعد النّسيان، وتذكّرته، وأذكرته غيري وذكّرته بمعنى، قال الله تعالى: وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ (يوسف/ ٤٥) أي ذكر بعد نسيان، وأصله اذتكر فأدغم «٣» .

[واصطلاحا:]

التّخلّص من الغفلة والنّسيان «٤» ويقول الرّاغب: «الذّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وتارة يقال لحضور الشّيء القلب أو القول، ولذلك قيل الذّكر ذكران: ذكر بالقلب، وذكر باللّسان» «٥» .

[منزلة الذكر:]

يبيّن ابن القيّم منزلة الذّكر وأهميّته فيقول:

وهي منزلة القوم الكبرى الّتي منها يتزوّدون، وفيها يتّجرون، وإليها دائما يتردّدون.

والذّكر منشور الولاية الّذي من أعطيه اتّصل، ومن منعه عزل، وهو قوت قلوب القوم الّذي متى فارقها صارت الأجساد لها قبورا، وعمارة ديارهم الّتي إذا تعطّلت عنه صارت بورا، وهو سلاحهم الّذي يقاتلون به قطّاع الطّريق، وماؤهم الّذي يطفئون به التهاب الحريق، ودواء أسقامهم الّذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب، والسّبب الواصل؛ والعلاقة الّتي كانت بينهم وبين علّام الغيوب.

إذا مرضنا تداوينا بذكركم ... فنترك الذّكر أحيانا فننتكس

به يستدفعون الآفات، ويستكشفون

الكربات، وتهون عليهم به المصيبات، إذا أظلّهم البلاء فإليه ملجؤهم، وإذا نزلت بهم النّوازل فإليه مفزعهم، فهو رياض جنّتهم الّتي فيها يتقلّبون.. يدع القلب الحزين ضاحكا مسرورا، ويوصّل الذّاكر إلى المذكور، بل يدع الذّاكر مذكورا.

وفي كلّ جارحة من الجوارح عبوديّة مؤقّتة.

والذّكر عبوديّة القلب واللّسان وهي غير مؤقّتة، بل هم يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كلّ حال قياما وقعودا، وعلى جنوبهم، فكما أنّ الجنّة قيعان، وهو غراسها فكذلك القلوب بور خراب، وهو عمارتها وأساسها.

وهو جلاء القلوب وصقالها، ودواؤها إذا غشيها اعتلالها، وكلّما ازداد الذّاكر في ذكره استغراقا.

ازداد المذكور محبّة إلى لقائه واشتياقا،.. به يزول الوقر عن الأسماع، والبكم عن الألسن، وتنقشع الظّلمة عن الأبصار. زيّن الله به ألسنة الذّاكرين، كما


(١) المفردات (١٨٠) .
(٢) المحيط في اللغة (٦/ ٢٣٥) .
(٣) اللسان «ذكر» (٤/ ٣٠٩) (ط. بيروت) .
(٤) مدارج السالكين (٢/ ٤٥١) .
(٥) المفردات (١٧٩) .