للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القرآن، آية الكرسيّ: لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ ٢٥٥) وقال: قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (الزّمر/ ٤٤) . فأخبر أنّ حال ملكه للسّموات والأرض يوجب أن تكون الشّفاعة كلّها له وحده، وأنّ أحدا لا يشفع عنده إلّا بإذنه، فإنّه ليس بشريك، بل مملوك محض. بخلاف شفاعة أهل الدّنيا بعضهم عند بعض.

[شروط قبول الشفاعة:]

وسرّ الفرق بين الشّفاعتين: أنّ شفاعة المخلوق للمخلوق، وسؤاله للمشفوع عنده، لا يفتقر فيها إلى المشفوع عنده، لا خلقا، ولا أمرا، ولا إذنا، بل هو سبب محرّك له من خارج كسائر الأسباب الّتي تحرّك الأسباب. وهذا السّبب المحرّك قد يكون عند المتحرّك لأجله ما يوافقه، كمن يشفع عنده في أمر يحبّه ويرضاه، وقد يكون عنده ما يخالفه، كمن يشفع إليه في أمر يكرهه، ثمّ قد يكون سؤاله، وشفاعته أقوى من المعارض، فيقبل شفاعة الشّافع، وقد يكون المعارض الّذي عنده أقوى من شفاعة الشّافع، فيردّها ولا يقبلها، وقد يتعارض عنده الأمران، فيبقى متردّدا بين ذلك المعارض الّذي يوجب الرّدّ، وبين الشّفاعة الّتي تقتضي القبول، فيتوقّف إلى أن يترجّح عنده أحد الأمرين بمرجّح، فشفاعة الإنسان عند المخلوق مثله: هي سعي في سبب منفصل عن المشفوع إليه يحرّكه به، ولو على كره منه، فمنزلة الشّفاعة عنده منزلة من يأمر غيره، أو يكرهه على الفعل، إمّا بقوّة وسلطان، وإمّا برغبة، فلا بدّ أن يحصل للمشفوع إليه من الشّافع إمّا رغبة ينتفع بها، وإمّا رهبة منه تندفع عنه بشفاعته، وهذا بخلاف الشّفاعة عند الرّبّ سبحانه، فإنّه ما لم يخلق شفاعة الشّافع، ويأذن له فيها، ويحبّها منه، ويرضى عن الشّافع، لم يمكن أن توجد. والشّافع لا يشفع عنده لحاجة الرّبّ إليه، ولا لرهبته منه، ولا لرغبته فيما لديه، وإنّما يشفع عنده مجرّد امتثال لأمره وطاعة له. فهو مأمور بالشّفاعة، مطيع بامتثال الأمر. فإنّ أحدا من الأنبياء والملائكة، وجميع المخلوقات لا يتحرّك بشفاعة ولا غيرها إلّا بمشيئة الله تعالى وخلقه. فالرّبّ سبحانه وتعالى هو الّذي يحرّك الشّفيع حتّى يشفع، والشّفيع عند المخلوق هو الّذي يحرّك المشفوع إليه حتّى يقبل. والشّافع عند المخلوق مستغن عنه في أكثر أموره. وهو في الحقيقة شريكه.

ولو كان مملوكه وعبده. فالمشفوع عنده محتاج إليه فيما يناله منه من النّفع بالنّصر، والمعاونة. وغير ذلك. كما أنّ الشّافع محتاج إليه فيما يناله منه: من رزق، أو نصر، أو غيره، فكلّ منهما محتاج إلى الآخر «١» .

[للاستزادة: انظر صفات: التوسل- التعاون على البر والتقوى- التناصر- الضراعة والتضرع- الإخاء.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الإعراض- التخاذل- القسوة- التعاون على الإثم والعدوان] .


(١) إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان (١/ ٢٢٠- ٢٢٣) بتصرف.