للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بقوله: وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَلا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ (البقرة/ ١٢٣) وقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ (البقرة/ ٢٥٤) وقال تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (الأنعام/ ٥١) وقال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ ما لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ (السجدة/ ٤) .

فأخبر سبحانه أنّه ليس للعباد شفيع من دونه، بل إذا أراد الله سبحانه رحمة عبده أذن هو لمن يشفع فيه. كما قال تعالى: ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ (يونس/ ٣) وقال: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ (البقرة/ ٢٥٥) فالشّفاعة بإذنه ليست شفاعة من دونه، ولا الشافع شفيع من دونه، بل شفيع بإذنه.

والفرق بين الشّفيعين، كالفرق بين الشّريك والعبد المأمور. فالشّفاعة الّتي أبطلها الله: شفاعة الشّريك فإنّه لا شريك له، والّتي أثبتها: شفاعة العبد المأمور الّذي لا يشفع، ولا يتقدّم بين يدي مالكه حتّى يأذن له. ويقول: اشفع في فلان. ولهذا كان أسعد النّاس بشفاعة سيّد الشّفعاء يوم القيامة أهل التّوحيد، الّذين جرّدوا التّوحيد وخلّصوه من تعلّقات الشّرك وشوائبه، وهم الّذين ارتضى الله سبحانه. قال تعالى: وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى (الأنبياء/ ٢٨) وقال:

يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (طه/ ١٠٩) . وأعلى الخلق وأفضلهم وأكرمهم عنده: هم الرّسل والملائكة المقرّبون. وهم عبيد محض، لا يسبقونه بالقول، ولا يتقدّمون بين يديه، ولا يفعلون شيئا إلّا بعد إذنه لهم، وأمرهم. ولا سيّما يوم لا تملك نفس لنفس شيئا. فهم مملوكون مربوبون، أفعالهم مقيّدة بأمره وإذنه. فإذا أشرك بهم المشرك، واتّخذهم شفعاء من دونه، ظنّا منه أنّه إذا فعل ذلك تقدّموا وشفعوا له عند الله، فهو من أجهل النّاس بحقّ الرّبّ سبحانه وما يجب له. ويمتنع عليه.

فإنّ هذا محال ممتنع، شبيه قياس الرّبّ تعالى على الملوك والكبراء، حيث يتّخذ الرّجل من خواصّهم وأوليائهم من يشفع له عندهم في الحوائج. وبهذا القياس الفاسد عبدت الأصنام، واتّخذ المشركون من دون الله الشّفيع والوليّ. فالشّفعاء عند المخلوقين: هم شركاؤهم. فإنّ قيام مصالحهم بهم. وهم أعوانهم وأنصارهم، الّذين قيام أمر الملوك والكبراء بهم.

ولولا هم لما انبسطت أيديهم وألسنتهم في النّاس، فلحاجتهم إليهم يحتاجون إلى قبول شفاعتهم. وإن لم يأذنوا فيها ولم يرضوا عن الشّافع. لأنّهم يخافون أن يردّوا شفاعتهم فتنتقض طاعتهم لهم، ويذهبون إلى غيرهم. فلا يجدون بدّا من قبول شفاعتهم على الكره والرّضى. فأمّا الغنيّ الّذي غناه من لوازم ذاته، وكلّ ما سواه فقير إليه بذاته. وكلّ من في السّماوات والأرض عبيد له، مقهورون بقهره، مصروفون بمشيئته. لو أهلكهم جميعا لم ينقص من عزّه وسلطانه وملكه وربوبيّته وإلهيّته مثقال ذرّة، قال سبحانه في سيّدة آي