للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقيل: «غوى» أي ترك النّهي وأكل من الشّجرة فعوقب بأن طرد من الجنّة «١» .

وقال القرطبيّ في تفسير هذه الآية الكريمة:

فساد عيشه بنزوله إلى الدّنيا، وهذا التّفسير أولى من تأويل من يقول: معناه ضلّ آخذا له من الغيّ الّذي هو ضدّ الرّشد. وقيل معناه: جهل موضع رشده أي جهل أنّ تلك الشّجرة هي الّتي نهي عنها، واستحسن القرطبيّ قول من قال: إنّ هذا كان من آدم قبل النّبوّة «٢» .

وقال الخليل بن أحمد: مصدر غوى: الغيّ، والغواية: الانهماك في الغيّ، والتّغاوي: التّجمّع، والمغوّاة: حفرة الصّيّاد «٣» ، والإغواء: الإضلال أو جعل الإنسان غاويا، وعلى هذين فسّر قوله تعالى:

قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (الأعراف/ ١٦) .

فقد قيل في تفسيره قولان: قال بعضهم فبما أضللتني، وقال بعضهم: فبما دعوتني إلى شيء غويت به أي غويت من أجل آدم- عليه السّلام- «٤» .

وأضاف الطّبريّ إلى ذلك قول من قال: فبما أغويتني أي بما أهلكتني من قولهم غوي الفصيل يغوى غوى وذلك إذا فقد اللّبن فمات، وكان بعضهم يتأوّل ذلك أنّه بمعنى القسم كأنّ معناه عنده فبإغوائك إيّاي لأقعدنّ لهم صراطك المستقيم، وكان بعضهم يتأوّل ذلك بمعنى المجازاة كأنّ معناه عنده فلأنّك أغويتني «٥» ، وقال القرطبيّ: المعنى فبما أوقعت في قلبي من الغيّ والعناد والاستكبار، وذلك لأنّ كفر إبليس ليس كفر جهل، بل كفر عناد واستكبار «٦» ، وأمّا قوله عزّ وجلّ: إِنْ كانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ (هود/ ٣٤) فقد قيل: معناه: أن يعاقبكم على غيّكم، وقيل يحكم عليكم بغيّكم «٧» .

الغيّ والإغواء اصطلاحا:

أولا: الغيّ:

قال الرّاغب: الغيّ جهل من اعتقاد فاسد، وذلك أنّ الجهل قد يكون في كون الإنسان غير معتقد اعتقادا لا فاسدا ولا صالحا، وقد يكون من اعتقاد فاسد، وهذا النّحو الثّاني يقال له غيّ، قال تعالى: ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى (النجم/ ٢) «٨» .

وقال المناويّ (نقلا عن الحراليّ) : الغيّ: سوء التّصرّف في الشّيء وإجراؤه على ما تسوء عاقبته «٩» .

وقال ابن الأثير: الغيّ: هو الضّلال والانهماك


(١) المرجع السابق، والصفحة نفسها، وقد ذكر الراغب في المفردات معان أخرى، انظرها في صفحة (٣٦٩) .
(٢) تفسير القرطبي (١١/ ١٧٠) باختصار وتصرف يسير.
(٣) كتاب العين (٤/ ٤٥٦) ، وقد نقل ابن منظور أنه يقال في مثل لهم: من حفر مغوّاة أوشك أن يقع فيها. انظر اللسان «غوى» (٣٣٢٠) ط. دار المعارف.
(٤) لسان العرب «غوى» (٣٣٢٠) ط. دار المعارف.
(٥) تفسير القرطبي (٨/ ١٠٠) .
(٦) تفسير القرطبي (٧/ ١١٢) .
(٧) المفردات (٣٦٩) ، والبصائر (٤/ ١٥٦) .
(٨) المفردات في غريب القرآن للراغب (٣٦٩) ت. كيلاني.
(٩) التوقيف على مهمات التعاريف (٢٥٥) ، وقد ذكر أيضا ما ذكرناه عن الراغب.