للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبغض في الله لا يحمله بغضه على ظلم من أبغضه» «١» .

لقد امتثل عبد الله بن رواحة- رضي الله عنه- للمنهج الرّبّانيّ الّذي يكفل العدل بين النّاس، والّذي يعطي كلّ ذي حقّ حقّه من المسلمين وغير المسلمين. ففي هذا الحقّ يتساوى عند الله المؤمنون وغير المؤمنين. قال تعالى: فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (النساء/ ١٣٥) «٢» . وقد أقرّ اليهود صنيع عبد الله بن رواحة لعلمهم أنّ العدل قد أمر الله عزّ وجلّ- به النّاس جميعا، لأنّه واجب لكلّ أحد على كلّ أحد في جميع الأحوال. والظّلم لا يباح منه شيء بحال، ولذا قالوا لعبد الله بن رواحة: (هذا الحقّ به تقوم السّماء والأرض) : أي بهذا الحقّ والعدل قامت السّموات فوق الرّءوس بغير عمد، والأرض استقرّت على الماء تحت الأقدام «٣» .

تناصف الصّحابة. رضوان الله عليهم.:

لإنصاف الصّحابة- رضوان الله عليهم- غيرهم ممّن يحبون أو يكرهون أمثلة عديدة ونماذج مشرّفة ذكرنا كثيرا منها في الآثار فأغنى ذلك عن ذكرها هنا (انظر الآثار أرقام: ٤، ٥، ٦، ٧، ٨) .

[إنصاف أهل السنة والجماعة للمبتدعة:]

وإذا كنّا مأمورين بالإنصاف مع غير المسلمين فلأن نكون منصفين لأهل البدعة ممّن لم يخرجوا عن الإسلام أولى.

يقول ابن تيمية- رحمه الله-: كلّ من كان مؤمنا بما جاء به محمّد صلّى الله عليه وسلّم فهو خير من كلّ من كفر به، وإن كان في المؤمن بذلك نوع من البدعة سواء كانت بدعة الخوارج والشّيعة والمرجئة والقدريّة أو غيرهم، فإنّ اليهود والنّصارى كفّار كفرا معلوما بالاضطرار من دين الإسلام، والمبتدع إذا كان يحسب أنّه موافق لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم لا مخالف له لم يكن كافرا به، ولو قدر أنّه يكفّر فليس كفره مثل كفر من كذّب الرّسول صلّى الله عليه وسلّم «٤» .

وقال- وهو يتحدّث عن الصّوفيّة وما أحدثوه من السّماع والرّقص وتمزيق الثّياب: «والّذين شهدوا هذا اللّغو متأوّلين من أهل الصّدق والإخلاص غمرت حسناتهم ما كان لهم من السّيّئات أو الخطأ في مواقع الاجتهاد، وهذا سبيل كلّ صالحي الأمّة في خطئهم وزلّاتهم» «٥» .

وقال فيمن خالفوه وكفّروه من أهل البدع:

«هذا، وأنا في سعة صدر لمن يخالفني، فإنّه وإن تعدّى حدود الله فيّ بتكفير أو تفسيق أو افتراء أو عصبيّة جاهليّة فأنا لا أتعدّى حدود الله فيه، بل أضبط ما أقوله وأفعله وأزنه بميزان العدل، وأجعله مؤتمّا بالكتاب الّذي أنزله الله وجعله هدى للنّاس حاكما فيما اختلفوا فيه» . إلى أن قال: «وذلك أنّك ما جزيت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه» «٦» .

وأمّا ابن القيّم- رحمه الله- فحين تحدّث عن


(١) التمهيد (٩/ ١٤٠) .
(٢) المرجع السابق نفسه.
(٣) عون المعبود شرح سنن أبي داود (٣/ ٢٧٣) بواسطة الإنصاف (٥١) .
(٤) مجموع الفتاوى (٣٥/ ٢٠١) .
(٥) الاستقامة (١/ ١٩٧- ١٩٨) .
(٦) مجموع الفتاوى (٣/ ٢٤٥- ٢٤٦) .