للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالمحن والكوارث ونقص الأموال والأنفس والثّمرات مصداقا لقوله تعالى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ (البقرة/ ١٥٥) ، وهنا يكون الصّبر والرّضا هما المقياس الحقيقيّ للإيمان الصّادق.

ضرورة الابتلاء بالشّرّ:

قال ابن القيّم- رحمه الله-: سأل رجل الشّافعيّ رحمه الله- فقال: يا أبا عبد الله، أيّهما أفضل للرّجل أن يمكّن (فيشكر الله عزّ وجلّ) أو يبتلى (بالشّرّ فيصبر) ؟

فقال الشّافعيّ: لا يمكّن حتّى يبتلى، فإنّ الله ابتلى نوحا وإبراهيم ومحمّدا- صلوات الله عليهم أجمعين- فلمّا صبروا مكّنهم، فلا يظنّ أحد أن يخلص من الألم البتّة «١» .

[الصبر والمصابرة في القرآن الكريم:]

ورد الصّبر في القرآن الكريم في سياقات عديدة منها:

١- الثّناء على أهله كقوله: وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْساءِ (البقرة/ ١٧٧) .

٢- الاستجابة لأمر الله تعالى بالصّبر وإيجاب معيّته لهم تلك المعيّة الّتي تتضمّن حفظهم لقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (البقرة/ ١٥٣) ، وقوله تعالى وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (الأنفال/ ٤٦) . راجع ص ٢٤٥١ رقم (٢٦) .

٣- الإخبار أنّ أهل الصّبر مع أهل العزائم وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ (الشورى/ ٤٣) .

٤- يورث صاحبه الإمامة وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا (السّجدة/ ٢٤) .

٥- اقترانه بمقامات الإسلام والإيمان «٢» .

٦- إطلاق البشرى لأهل الصّبر على الابتلاء بمصائب الحياة الدّنيا ومصاعبها بأنّ جزاءهم على صبرهم هو الحصول على صلوات من ربّهم ورحمة وهداية إلى السّراط المستقيم بإذن الله كقوله تعالى وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَراتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (البقرة/ ١٥٥- ١٥٧) . راجع ص ٢٤٥٠ رقم (١٩)

٧- إنّ الصّابرين بأنفسهم على طاعة الله والتّكاليف المنوطة بهم والتّقوى ومجاهدة النّفس ونهيها عن الهوى وتزكيتها ومحاسبتها ومراقبتها عند الابتلاءات جزاؤهم أن يوفّى لهم أجورهم بغير حساب لقوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَقائِماً ...

(الزمر/ ٩- ١٠) ، وأولئك الصّابرين لهم عقبى الدّار، لقوله تعالى وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ...

(الرعد ٢٢- ٢٤) . راجع ص ٢٤٤٩ رقم (١٢) .

٨- ضمان النّصر والمدد لهم كقوله بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هذا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (آل عمران/ ١٢٥) «٣» .

[للاستزادة: انظر صفات: التأني- الثبات- الحلم- الزهد- العفة- كتمان السر- الاحتساب- الرضا- الاستعانة- مجاهدة النفس- محاسبة النفس.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: الجزع- العجلة القنوط- اليأس- إفشاء السر- الوهن] .


(١) الفوائد لابن القيم (٢٨٣) (بتصرف يسير) .
(٢) لم يذكر الفيروز آبادى آية معينة لهذا المعنى، ويمكن التمثيل لذلك بقوله تعالى يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصابِرُوا وَرابِطُوا ... (آل عمران/ ٢٠٠) .
(٣) البصائر (٣/ ٣٧٥) .