للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[والاعتبار اصطلاحا:]

قال الكفويّ: الاعتبار هو النّظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنّظر فيها شيء آخر من جنسها، وقيل: الاعتبار هو التّدبّر وقياس ما غاب على ما ظهر.

وقال المناويّ: العبرة والاعتبار: الّاتعاظ، ويكون بمعنى الاعتداد بالشّيء في ترتيب الحكم، وقال بعضهم: الاعتبار المجاوزة من عدوة دنيا إلى عدوة قصوى، ومن علم أدنى إلى علم أعلى «١» .

وقال الجرجانيّ: الاعتبار: أن يرى الدّنيا للفناء. والعاملين فيها للموت. وعمرانها للخراب.

وقيل: الاعتبار اسم من المعتبرة، وهي رؤية فناء الدّنيا كلّها باستعمال النّظر في فناء جزئها «٢» .

[كيفية التفكر والاعتبار:]

قال الغزاليّ- رحمه الله-: اعلم أنّ معنى الفكر هو إحضار معرفتين في القلب، ليستثمر منهما معرفة ثالثة. ومثاله أنّ من مال إلى العاجلة، وآثر الحياة الدّنيا، وأراد أن يعرف أنّ الآخرة أولى بالإيثار من العاجلة فله طريقان: أحدهما: أن يسمع من غيره أنّ الآخرة أولى بالإيثار من الدّنيا، فيقلّده، ويصدّقه من غير بصيرة بحقيقة الأمر، فيميل بعمله إلى إيثار الآخرة اعتمادا على مجرّد قوله، وهذا يسمّى تقليدا ولا يسمّى معرفة. والطّريق الثّاني: أن يعرف أنّ الأبقى أولى بالإيثار، ثمّ يعرف أنّ الآخرة أبقى. فيحصل له من هاتين المعرفتين معرفة ثالثة، وهو أنّ الآخرة أولى بالإيثار، ولا يمكن تحقّق المعرفة بأنّ الآخرة أولى بالإيثار إلّا بالمعرفتين السّابقتين.

فإحضار المعرفتين السّابقتين في القلب للتّوصّل به إلى المعرفة الثّالثة يسمّى تفكّرا واعتبارا وتذكّرا ونظرا وتأمّلا وتدبّرا. أمّا التّدبّر والتأمّل والتّفكّر: فعبارات مترادفة على معنى واحد ليس تحتها معان مختلفة. وأمّا اسم التذكّر والاعتبار والنّظر؛ فهي مختلفة المعاني، وإن كان أصل المسمّى واحدا؛ كما أنّ اسم الصّارم، والمهنّد «٣» ، والسّيف؛ يتوارد على شيء واحد، ولكن باعتبارات مختلفة. فالصّارم يدلّ على السّيف من حيث هو قاطع، والمهنّد يدلّ عليه من حيث نسبته إلى موضعه، والسّيف يدلّ دلالة مطلقة من غير إشعار بهذه الزّوائد «٤» .

[للاستزادة، انظر صفات: التدبر- التأمل- التذكر- التذكير- التفكر.

وفي ضد ذلك، انظر صفات: الإعراض- البلادة والغباء- الغفلة- التفريط والإفراط- الضلال- سوء الخلق] .


(١) الكليات للكفوي (١٤٧) ، والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (٢٣٥) .
(٢) كتاب التعريفات (٣٠) .
(٣) المهند: السيف المطبوع من حديد الهند.
(٤) إحياء علوم الدين (٤/ ٤٢٥- ٤٢٦) .