للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[أنواع الغلو:]

من يتأمّل الآيات والأحاديث الواردة في الغلوّ يجد أنّ الغلوّ علي ثلاثة أنواع:

الأوّل: الغلوّ في الدّين وذلك بالاعتقادات الباطلة كما فعل بعض أهل الكتاب الّذين قالوا على الله غير الحقّ كقولهم: إنّ الله ثالث ثلاثة، وكقول اليهود والنّصارى في عيسى: إنّه ابن الله أو إنّه إله، وقول اليهود: إنّه ليس ابن رشدة.

وعند المسلمين نجد كثيرا من الفرق الضّالّة الّتي غلت في دينها كالرّافضة والمرجئة.

الثّاني: الغلوّ في القرآن الكريم، وذلك بمجاوزة الحدّ في قراءته بالتّطويل والتّطريح والتّشدّق، والخروج والتّأويل المبالغ فيه.

الثّالث: الغلوّ في العلم، وذلك الّذي يؤدّي إلى تحريف الكلم عن مواضعه، كما فعل أهل الكتاب قديما، وكما يفعل كثير من الجهّال في هذه الأيّام.

[الإيغال في الدين برفق:]

قال ابن المنيّر- رحمه الله-: رأينا ورأى النّاس قبلنا أنّ كلّ متنطّع في الدّين ينقطع. وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة فإنّه من الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدّي إلى الملال، أو المبالغة في التّطوّع المفضي إلى ترك الأفضل، أو إخراج الفرض عن وقته كمن بات يصلّي اللّيل كلّه ويغالب النّوم إلى أن غلبته عيناه في آخر اللّيل فنام عن صلاة الصّبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار. أو إلى أن طلعت الشّمس فخرج وقت الفريضة «١» .

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى- مبيّنا أنّ الغلوّ سبب لتشديد الله على العبد وعلى الأمّة: نهى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن التّشديد في الدّين بالزّيادة على المشروع، وأخبر صلّى الله عليه وسلّم أنّ تشديد العبد، على نفسه هو السّبب لتشديد الله عليه إمّا بالقدر وإمّا بالشّرع. فبالقدر كفعل أهل الوسواس فإنّهم شدّدوا على أنفسهم فشدّد عليهم حتّى استحكم وصار صفة لازمة لهم.

وأمّا التّشديد بالشّرع: كمن شدّد على نفسه بالنّذر، فشدّد الله عليه فألزمه الوفاء به «٢» .

[للاستزادة: انظر صفات: الابتداع- التكلف- التعسير- التنفير- الطغيان- الكفر- التفريط والإفراط- اتباع الهوى.

وفي ضد ذلك: انظر صفات: التوسط- الاتباع- التيسير- الرفق- العبادة- الطاعة] .


(١) الفتح (١/ ١١٧) .
(٢) إغاثة اللهفان لابن القيم (١/ ١٣٢) بتصرف يسير.