للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الصّوفيّة وشطحاتهم قال فيما قال: « ... هذا ونحوه من الشّطحات الّتي ترجى مغفرتها بكثرة الحسنات، ويستغرقها كمال الصّدق، وصحّة المعاملة، وقوّة الإخلاص، وتجريد التّوحيد، ولم تضمن العصمة لبشر بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولو كان (كلّ) من أخطأ أو غلط ترك جملة، وأهدرت محاسنه، لفسدت العلوم والصّناعات، والحكم، وتعطّلت معالمها «١» .

وإذا كانت هذه الشّطحات قد أوجبت فتنة على طائفتين من النّاس: إحداهما حجبت بها (أي بالشّطحات) عن محاسن هذه الطّائفة والأخرى:

حجبت بما رأوه من محاسن القوم عن رؤية عيوب شطحاتهم وكلا هاتين الطّائفتين معتد مفرّط.

أمّا أهل العدل والإنصاف فهم هؤلاء الّذين أعطوا كلّ ذي حقّ حقّه، ولم يحكموا للصّحيح بحكم السّقيم، ولا للسّقيم بحكم الصّحيح، ولكن قبلوا ما يقبل وردّوا ما يردّ «٢» .

[آداب أهل الإنصاف:]

التّحلّي بصفة الإنصاف، وسلوك درب المنصفين يلزم معه التّأدّب باداب خاصّة، وقد التزم بها أهل السّنّة والجماعة، وعلى من يسير على منهجهم أن يتأدّب بتلك الاداب، وأهمّها:

١- التّجرّد وتحرّي القصد عند الكلام على المخالفين:

وذلك أنّه قد تلتبس المقاصد عند الكلام عن المخالفين، فهناك قصد حبّ الظّهور، وقصد التّشفّي والانتقام، وقصد الانتصار للنّفس أو للطّائفة الّتي ينتمي إليها النّاقد.. وقد حذّر ابن تيمية من يردّ على أهل البدع من التباس المقاصد فقال: « ... وهكذا الرّدّ على أهل البدع من الرّافضة وغيرهم، وإذا غلّظ في ذمّ بدعة أو معصية كان قصده بيان ما فيها من إفساد ليحذر العباد، كما في نصوص الوعيد وغيرها. وقد يهجر الرّجل عقوبة وتعزيرا والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرّحمة والإحسان، لا للتّشفّي والانتقام» وقد انتبه ابن القيّم- رحمه الله- إلى هذا الأمر فوضع قاعدة لمن يريد أن يتجرّد من الهوى فقال: «وكلّ أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه من الألفاظ، ومن رزقه الله بصيرة فهو يكشف بها حقيقة ما تحت الألفاظ من الحقّ والباطل، ولا تغترّ باللّفظ كما قيل في هذا المعنى:

تقول هذا جنى النّحل تمدحه ... وإن تشأ قلت: ذا قيء الزّنابير

مدحا وذمّا وما جاوزت وصفهما ... والحقّ قد يعتريه سوء تعبير

٢- أهمية التبين والتثبت قبل إصدار الأحكام:

وذلك امتثالا لقول الله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ (الحجرات/ ٦) ، وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً (النساء/ ٩٤) .


(١) مدارج السالكين (٢/ ٤٠، ٤١) .
(٢) مدارج السالكين (٢/ ٤١) .