للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الوصف الرابع:]

ميل النّفوس إلى متابعته وانقيادها لموافقته وثباته على شدائده ومصابرته، فما شذّ عنه معها من أخلص ولا ندّ عنه فيها إلّا من حرم الخير كلّه.

وهذه الأربعة من دواعي السّعادة وقوانين الرّسالة قد تكاملت فيه فكمل لما يوازيها واستحقّ ما يقتضيها.

[الوجه الثاني: كمال الخلق:]

أمّا كمال أخلاقه صلّى الله عليه وسلّم فيكون بستّ خصال:

[الخصلة الأولى:]

رجاحة عقله وصدق فراسته، وقد دلّ على وفور ذلك فيه صحّة رأيه وصواب تدبيره وحسن تألّفه النّاس وأنّه ما استغفل في مكيدة ولا استعجز في شديدة بل كان يلحظ الإعجاز في المباديء فيكشف عيوبها ويحلّ خطوبها وهذا لا ينتظم إلّا بأصدق حدس وأوضح رؤية.

[الخصلة الثانية:]

ثباته في الشّدائد وهو مطلوب، وصبره على البأساء والضّرّاء، وهو مكروب ومحروب «١» ونفسه في اختلاف الأحوال ساكنة لا يخور في شديدة ولا يستكين لعظيمة وقد لقي بمكّة من قريش ما يشيب النّواصي ويهدّ الصّياصي وهو مع الضّعف يصابر صبر المستعلي ويثبت ثبات المستولي» .

[الخصلة الثالثة:]

زهده في الدّنيا وإعراضه عنها وقناعته منها فلم يمل إلى غضارتها ولم يله لحلاوتها وقد ملك من أقصى الحجاز إلى عذار العراق ومن أقصى اليمن إلى شحر عمان.

وهو أزهد النّاس فيما يقتنى ويدّخر وأعرضهم عمّا يستفاد ويحتكر، لم يخلّف عينا ولا دينا ولا حفر نهرا ولا شيّد قصرا ولم يورّث ولده وأهله متاعا ولا مالا ليصرفهم عن الرّغبة في الدّنيا كما صرف نفسه عنها فيكونوا على مثل حاله في الزّهد فيها.

وحقيق بمن كان في الدّنيا بهذه الزّهادة أن لا يتّهم بطلبها أو يكذب على الله تعالى في ادّعاء الآخرة ويقنع في العاجل وقد سلب الآجل بالميسور النّزر ويرض بالعيش الكدر.


(١) الضمير «هو» يعود للنبي صلّى الله عليه وسلّم، والمحروب من فقد ماله، وصار به الإسلام من فقد دينه، والمقصود هو الأول.
(٢) المستولي أي الممسك بمقاليد الأمور المسيطر عليها.