للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النّسب عن الله الواحد- تعالى عمّا يقول المشركون علوّا كبيرا- لأنّ الأنساب إنّما تكون للمخلوقين، والله تعالى صفته أنّه لم يلد ولدا ينسب إليه، ولم يولد فينتسب إلى والده، ولم يكن له مثل- ولا يكون- فيشبّه به «١» ، وقال القرطبيّ: معنى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ: أي الواحد الوتر الّذي لا شبيه له ولا نظير ولا صاحبة، ولا ولد ولا شريك «٢» ، وذكر الطّبريّ في سبب نزولها أنّ المشركين سألوا النّبيّ عن نسب ربّ العزّة، وقيل إنّ اليهود سألوه فقالوا: هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله، فأنزلت جوابا لهم «٣» .

[وجوه استعمال لفظ الواحد:]

قال الرّاغب: الواحد لفظ مشترك يستعمل على ستّة أوجه:

الأوّل: ما كان واحدا في الجنس أو في النّوع كقولنا الإنسان والفرس واحد، في الجنس وزيد وعمرو واحد في النّوع.

الثّاني: ما كان واحدا بالاتصال إمّا من حيث الخلقة كقولك شخص واحد وإمّا من حيث الصناعة كقولك حرفة واحدة.

الثّالث: ما كان واحدا لعدم نظيره إمّا في الخلقة كقولك الشّمس واحدة وإمّا في دعوى الفضيلة كقولك فلان واحد دهره وكقولك نسيج وحده.

الرّابع: ما كان واحدا لامتناع التّجزّي فيه إمّا لصغره كالهباء وإمّا لصلابته كالألماس.

الخامس: لمبدإ العدد كقولك واحد اثنان.

السّادس: لمبدإ الخطّ كقولك النّقطة الواحدة.

والوحدة كلّها عارضة وإذا وصف الله تعالى بالواحد فمعناه هو الّذي لا يصحّ عليه التّجزّي ولا التّكثّر ولصعوبة هذه الوحدة قال تعالى: وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ والوحد المفرد ويوصف به غير الله تعالى «٤» .

[وجوه استعمال «أحد» في القرآن الكريم:]

قال ابن الجوزيّ: ذكر بعض المفسّرين أنّ الأحد في القرآن على أربعة أوجه:

أحدها: الله عزّ وجلّ، ومنه قوله تعالى في البلد أَيَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ* يَقُولُ أَهْلَكْتُ مالًا لُبَداً* أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ (البلد/ ٥- ٧) .

والثّاني: محمّد عليه السّلام ومنه قوله تعالى في سورة آل عمران إِذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلى أَحَدٍ (آل عمران/ ١٥٣) .

وقوله: وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً (الحشر/ ١١) .

والثّالث: بلال بن حمامة ومنه قوله تعالى في «الليل» وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى


(١) لسان العرب «وحد» (٤٧٨٢) ط. دار المعارف.
(٢) تفسير القرطبي (٢٠/ ١٦٧) .
(٣) تفسير القرطبي (١٢/ ٢٢١) .
(٤) المفردات (٥١٤، ٥١٥) وقد أدمج- رحمه الله- الوجهين الخامس والسادس فجعلهما وجها واحدا وقد فصلناهما ليكتمل العدد الذي ذكره في صدر كلامه وهو ستة وقد تبعه في ذلك الفيروزابادي في البصائر (٥/ ١٧١) فذكر أن الوجوه ستة ولم يذكر عند التفصيل سوى خمسة أوجه.