للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من المبتدعة والمؤوّلة في غير المعلوم من الدّين بالضّرورة لكون التّأويل شبهة «١» .

[البديع في أسماء الله تعالى:]

قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى: البديع وهو الخالق المخترع لا عن مثال سابق، فعيل بمعنى مفعل، يقال: أبدع فهو مبدع.

قال ابن منظور- رحمه الله تعالى-: البديع من أسماء الله تعالى: هو الأوّل قبل كلّ شيء، ويجوز أن يكون بمعنى مبدع، أو يكون من بدع الخلق أي بدأه، والله تعالى كما قال سبحانه: بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ (البقرة/ ١١٧) أي خالقهما ومبدعهما فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثال سابق وسمّي بذلك: لإبداعه الأشياء وإحداثه إيّاها. قال أبو إسحاق: يعني أنّه أنشأها على غير حذاء ولا مثال.

وبديع فعيل بمعني فاعل مثل قدير بمعنى قادر، وهو صفة من صفات الله تعالى لأنّه بدأ الخلق على ما أراد على غير مثال تقدّمه «٢» .

[أسباب ودوافع البدعة:]

قال الشّاطبيّ- رحمه الله تعالى-: إنّ صاحب البدعة إنّما يخترعها ليضاهي بها السّنّة حتّى يكون ملبسا بها على الغير، أو تكون هي ممّا تلتبس عليه بالسّنّة، إذ الإنسان لا يقصد الاستتباع بأمر لا يشابه المشروع، لأنّه إذ ذاك لا يستجلب به في ذلك الابتداع نفعا ولا يدفع به ضررا، ولا يجيبه غيره إليه.

فأنت ترى العرب في الجاهليّة في تغيير ملّة إبراهيم عليه السّلام كيف تأوّلوا فيما أحدثوه احتجاجا منهم، كقولهم في أصل الإشراك ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى (الزمر/ ٣) ، وكترك الحمس «٣» الوقوف بعرفة لقولهم: لا نخرج من الحرم اعتدادا بحرمته.

وكطواف من طاف منهم بالبيت عريانا قائلين: لا نطوف بثياب عصينا الله فيها، وما أشبه ذلك ممّا وجّهوه ليصيّروه بالتّوجيه كالمشروع، فما ظنّك بمن عدّ أو عدّ نفسه من خواصّ أهل الملّة؟ فهم أحرى بذلك (وهم المخطئون وظنّهم الإصابة) إنّ أصل الدّخول في البدعة يحثّ على الانقطاع إلى العبادة والتّرغيب في ذلك، لأنّ الله تعالى يقول: وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (الذاريات/ ٥٦) فكأنّ المبتدع رأى أنّ المقصود هذا المعنى، ولم يتبيّن له أنّ ما وضعه الشّارع فيه من القوانين والحدود كاف (فرأى من نفسه أنّه لا بدّ لما أطلق الأمر فيه من قوانين منضبطة، وأحوال مرتبطة، مع ما يداخل النّفوس من حبّ الظّهور أو عدم مظنّته) . وأيضا فإنّ النّفوس قد تملّ وتسأم من الدّوام على العبادات المرتّبة، فإذا جدّد لها أمر لا تعهده، حصل لها نشاط آخر لا يكون لها مع البقاء على الأمر الأوّل.

وقد تبيّن بهذا أنّ البدع لا تدخل إلّا في


(١) الكليات للكفوي (ص ٢٤٣- ٢٤٤) بتصرف.
(٢) النهاية لابن الأثير (١/ ١٠٦) ، ولسان العرب (١/ ٢٣٠) .
(٣) الحمس: قريش لأنهم كانوا يتشددون في دينهم وشجاعتهم فلا يطاقون، وقيل: كانوا لا يستظلون أيام منى ولا يدخلون البيوت من أبوابها وهم محرمون ولا يسلئون السمن ولا يلقطون الجلة.