للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى ما ليس بالعدل.

ولست تجد فسادا إلّا وسبب نتيجته الخروج فيه عن حال العدل، إلى ما ليس بعدل من حالتي الزّيادة والنّقصان، وإذا لا شيء أنفع من العدل كما أنّه لا شيء أضرّ ممّا ليس بعدل «١» .

[عدالة الشهود وعلاقتها بالمروءة:]

قال بعض العلماء: والعدالة صفة توجب مراعاتها الاحتراز عمّا يخلّ بالمروءة عادة ظاهرا، فالمرّة الواحدة من صغائر الهفوات، وتحريف الكلام لا تخلّ بالمروءة ظاهرا لاحتمال الغلط والنّسيان والتّأويل، بخلاف ما إذا عرف منه ذلك وتكرّر، فيكون الظّاهر الإخلال، ويعتبر عرف كلّ شخص وما يعتاده من لبسه، وتعاطيه للبيع، والشّراء وحمل الأمتعة، وغير ذلك، فإذا فعل ما لا يليق به لغير ضرورة قدح وإلّا فلا «٢» .

[ثانيا: المساواة:]

[المساواة لغة:]

مصدر قولهم: ساواه يساويه إذا عادله، قال الرّاغب: المساواة هي المعادلة المعتبرة بالذّرع والوزن والكيل، يقال: هذا الثّوب مساو لذاك الثّوب، وهذا الدّرهم مساو لذلك الدّرهم، (وهذا التّمر مساو لهذا التّمر) «٣» ، وقد يعتبر بالكيفيّة، ولاعتبار المعادلة الّتي فيه (أي في لفظ السّواء) استعمل استعمال العدل، وتسوية الشّيء (بالشّيء) جعلهما سواء، إمّا بالرّفعة وإمّا بالضّعة، والسّويّ: يقال فيما يصان عن الإفراط والتّفريط من حيث القدر والكيفيّة «٤» .

وقال ابن منظور: سواء الشّيء مثله، وجمعه أسواء، قال الشّاعر:

النّاس أسواء وشتّى في الشّيم

ويقال أيضا: سيّ الشّيء- كما يقال عدّه وعديده أي مثله، وسوى (بالقصر) يكون بمعنيين: يكون بمعنى نفس الشّيء، وبمعنى غير، وقولهم: سواسية، وسواس وسواسوة، كلّها جمع سواء من غير لفظه، وهم سواسية إذا استووا في اللّؤم والخسّة والشّرّ «٥» ، وأمّا قوله صلّى الله عليه وسلّم: «النّاس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا» فالمعنى كما قال ابن الأثير: إنّهم يتساوون إذا رضوا بالنّقص وتركوا التّنافس في طلب الفضائل، وقد يكون ذلك خاصّا في الجهل، وذلك أنّ النّاس لا يتساوون في العلم، وإنّما في الجهل، وقيل أراد بالتّساوي: التحزّب والتّفرّق» «٦» وقال ابن منظور:

وأصل هذا التّساوي في الشّرّ لأنّ الخير إمّا يكون في


(١) أدب الدنيا والدين للماوردي (١٤١- ١٤٤) بتصرف.
(٢) المصباح المنير (٢/ ٤٤- ٤٥) ، وانظر لسان العرب (٥/ ٢٨٣٨- ٢٨٣٩) .
(٣) أضفنا هذا المثال إلى ما ذكره الراغب حتى تكتمل أمثلة الذرع والوزن والكيل.
(٤) المفردات للراغب (باختصار وتصرف) ص ٣٦٦- ٣٦٧ (ت: محمد أبي الفضل) .
(٥) لسان العرب ١٤/ ٤١٠ (ط. بيروت) ، كذا قال ابن منظور نقلا عن أبي عمرو، ويبدو أن ذلك من باب التغليب، وإلا فما المانع من أن يكون الناس سواسية في الخير أيضا.
(٦) باختصار عن النهاية ٢/ ٤٢٧.