للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢- انتشار الإسلام:

كان واضحا منذ المرحلة المكية أن الرسالة الإسلامية خطاب للعالمين وليس لقريش ولا للعرب وحدهم، فالآية: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ «١» ، هي مما نزل من القرآن في مكة.

وقد خطط النبي صلّى الله عليه وسلّم لنشر الإسلام خارج مكة منذ وقت مبكر، فلما أسلم أبو ذر الغفاري- رضي الله عنه- طلب منه الإقامة في بني غفار ودعوتهم إلى الإسلام، ولما أسلم الطفيل بن عمرو الدوسي، طلب منه الإقامة في قبيلته دوس التي كانت تقيم بين الطائف واليمن لنشر الإسلام فيها، ولم تثمر جهود الطفيل إلّا عقب قيام الدولة في المدينة حيث قدم الدوسيون إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم مسلمين عند فتح خيبر. وقام النبي صلّى الله عليه وسلّم بمحاولة نشر الإسلام في الطائف، ولكن قبيلة ثقيف صدت عن الدعوة بعنف وسخرية، ولم تستجب لدعوة الإسلام إلّا عام تسعة من الهجرة بعد حصارها.

ومن المعروف أن جهود نشر الدعوة في مكة ذاتها لم تفلح في إقناع معظم القرشيين طيلة المرحلة المكية وما تلاها وحتى فتح مكة حيث دانت قريش بالإسلام بصورة جماعية ولم يشذ إلّا أفراد قلائل.

وعلى الرغم من تأخر إسلام قبيلة قريش في مكة، وثقيف في الطائف وما جاورها، إلّا أن تلك الاستجابة المتأخرة اتسقت وتمثلت في تعاطف شديد وإيمان عميق راسخ وتحولت القبيلتان إلى أشد أنصار الإسلام حماسة وذودا عن حياضه كما ظهر من خلال أحداث الردة حيث التزمت كل منهما بالإسلام وكانتا أشد القبائل بأسا في مواجهة المرتدين، قبل أن تتحولا إلى مادة رئيسية من مواد الإسلام، حاملة لواءه متوغلة في كل صوب في أحداث الفتوحات ونشر دعوة الحق.

وكان الإسلام قد انتشر في قبائل الحجاز التي تقطن على طريق (مكة- المدينة) مثل مزينة، وجهينة، وغفار، وبلي، وأشجع، وأسلم، وكعب، في وقت مبكر من قيام الدولة الإسلامية بالمدينة، وخاصة في قبائل خزاعة التي كانت متعاطفة مع المسلمين كما أظهرت أحداث عمرة الحديبية، وربما تكون عشيرة بني المصطلق الحجازية قد أفردت بموقف عدائي من المسلمين حتى خضعت بعد غزوة المريسيع عام ٤ هـ «٢» .

أما بلاد اليمن فقد نجحت الدعوة الإسلامية فيها على نطاق واسع بعد قدوم علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- إليها سنة تسعة من الهجرة، وخاصة إسلام قبيلة همدان الكثيرة العدد، ويبدو أن الانتشار السريع كان عام ثمانية من الهجرة قريبا من فتح مكة. وقد قدمت وفود القبائل اليمانية إلى المدينة للبيعة عام تسعة من الهجرة وهي كندة، والأشعريون، وهمدان، ودوس. وتوضح حركة الردة انتشار الإسلام في قبائل ذي مران، وذي الكلاع، وذي ظليم، وبجيلة، وزبيد، والنخع، وجعفي، والأبناء، والسكون، والسكاسك. وكان انتشار الإسلام في حضرموت التي تقطنها قبيلة كندة محدودا بالقياس إلى انتشاره في رجال كندة القاطنين في اليمن.

وأما مناطق نجد فإن انتشار الإسلام فيها قوي بعد غزوة الخندق حيث تعرض الدعاة السابقون في الرجيع وبئر معونة للإبادة من قبل الأعراب. وقد امتد الإسلام بعد ذلك في قبائل بني سليم، وطيء، وهذيل،


(١) القرآن الكريم- سورة الأنبياء، الآية/ ١٠٧.
(٢) الطبري- تاريخ ٣/ ١٣١- ١٣٢.