للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أعظم يدا من أبي بكر آساني بنفسه وماله، ويقال: آساه بماله: أناله منه وجعله فيه أسوة، وقيل لا يكون منه ذلك إلّا من كفاف، فإن كان من فضلة فليس بمؤاساة.

قال أبو طالب: أصل الكلمة إمّا أن يكون أساه يأسوه، إذا عالجه وداواه، وإمّا أن يكون من آس يئوس: إذا عاض، فأخّر الهمزة وليّنها ولكلّ مقال.

وأمّا قولهم: واساه فلغة ضعيفة في آساه. وقال أبو بكر في قولهم: ما يواسي فلان فلانا ثلاثة أقوال:

أحدها: ما يشارك فلان فلانا فالمواساة المشاركة. وأنشد لهذا المعنى:

فإن يك عبد الله آسى ابن أمّه ... وآب بأسلاب الكميّ المغاور

وثانيها: ما يصيبه بخير. من قول العرب: آس فلانا بخير أي أصبه.

ثالثها: ما يعوّضه من مودّته ولا قرابته شيئا أي ما يعوّضه وهو مأخوذ من الأوس وهو العوض.

ويقال: قد استوسيته: أي قلت له: واسني «١» .

[واصطلاحا:]

قال ابن مسكويه: المواساة: معاونة الأصدقاء والمستحقّين ومشاركتهم في الأموال والأقوات «٢» .

وقال ابن حجر- رحمه الله تعالى-: المواساة: أن يجعل صاحب المال يده ويد صاحبه في ماله سواء «٣» .

وقال غيرهما: المواساة: المشاركة والمساهمة في المعاش والرّزق «٤» .

[أنواع المواساة:]

قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى: المواساة للمؤمنين أنواع:

الأوّل: مواساة بالمال.

الثّاني: مواساة بالجاه.

الثّالث: مواساة بالبدن والخدمة.

الرّابع: مواساة بالنّصيحة والإرشاد.

الخامس: مواساة بالدّعاء والاستغفار لهم.

السّادس: مواساة بالتّوجّع لهم.

قال: وعلى قدر الإيمان تكون هذه المواساة، فكلّما ضعف الإيمان ضعفت المواساة، وكلّما قوي قويت، وكان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أعظم النّاس مواساة لأصحابه بذلك، فلا أتباعه من المواساة بحسب اتّباعهم له، ودخلوا على بشر الحافي في يوم شديد البرد، وقد تجرّد وهو ينتفض، فقالوا: ما هذا يا أبا نصر؟

فقال: ذكرت الفقراء وبردهم، وليس لي ما أواسيهم، فأحببت أن أواسيهم في بردهم» «٥» .

وهذا النّوع الأخير الّذي يعني المشاركة إنّما يرمي إلى جبر خاطر المحتاجين عندما يتعذّر القيام بسدّ هذه الحاجة، وفي هذا ما يعينهم على الرّضا الصّبر وتحمّل المشاقّ.


(١) تهذيب اللغة للأزهرى (١٣/ ١٣٨- ١٣٩) . ولسان العرب (٨/ ٤٨٤٠) . والصحاح (٦/ ٢٥٢٤) . وتاج العروس (١٠/ ٣٩٠- ٣٩١) ومقاييس اللغة (١/ ١٠٧) ، المفردات (١٨) .
(٢) تهذيب الأخلاق لابن مسكويه (٣/ ٣١) .
(٣) الفتح (٧/ ٢٥) .
(٤) لسان العرب لابن منظور (١/ ٨٢) ط. دار المعارف.
(٥) الفوائد ص ٢٢٤