وقيل: الشّاكر من يشكر على العطاء. والشّكور من يشكر على المنع.
وإذا وصف الباري بالشّكور فالمراد إنعامه على عباده «١» .
[منزلة الشكر من الإيمان وثناء الله على الشاكرين:]
قال ابن القيّم- رحمه الله تعالى-: قرن الله سبحانه الشّكر بالإيمان، وأخبر أنّه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا به فقال: ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ (النساء/ ١٤٧) أي إن وفّيتم ما خلقكم له، وهو الشّكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟. وأخبر سبحانه أنّ أهل الشّكر هم المخصوصون بمنّته عليهم من بين عباده. فقال وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (الأنعام/ ٥٣) . وقسّم الله سبحانه وتعالى النّاس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحبّ الأشياء إليه الشّكر وأهله. قال تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً (الإنسان/ ٣) وهذا كثير في القرآن. يقابل سبحانه بين الشّكر والكفر فهو ضدّه. وعلّق الله سبحانه المزيد بالشّكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره. قال تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (إبراهيم/ ٧) . وأوقف سبحانه الجزاء على المشيئة كثيرا وأطلق ذلك في الشّكر. فقال تعالى: وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ ١٤٥) وقال سبحانه وتعالى: وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران/ ١٤٤) بل قد جعل الشّكر هو الغاية من خلقه وأمره، فقال تعالى وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (النحل/ ٧٨) . وأخبر سبحانه أنّه إنّما يعبده من شكره، ومن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (البقرة/ ١٧٢) وقد أثنى الله سبحانه على أوّل رسول بعثه إلى أهل الأرض بالشّكر. فقال: ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (الإسراء/ ٣) . كما أثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكره نعمه.
فقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (النحل/ ١٢٠- ١٢١) فأخبر عنه سبحانه بصفات ثمّ ختمها بأنّه شاكر لأنعمه، فجعل الشّكر غاية خليله. وأمر الله- عزّ وجلّ- عبده موسى أن يتلقّى ما آتاه من النّبوّة والرّسالة وتكليمه إيّاه بالشّكر. فقال تعالى: يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (الأعراف/ ١٤٤) . بل جعل الله- عزّ وجلّ- أوّل وصيّة وصّى بها الإنسان بعد ما عقل عنه بالشّكر له وللوالدين. فقال: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ أَنِ